للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه وسلم: "الذين يذكرون الله من جلال الله، من تسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله، يتعاطفن حول العرش، لهن دوي كدوي النحل، يذكرون بصاحبهن؛ ألا يحب [١] أحدكم أن لا يزال [٢] له عند الله شيء يذكر به".

وهكذا رواه ابن ماجة (١٢) عن أبي بشر [٣] بكر بن خلف، عن يحيى بن سعيد القطان، عن موسى بن أبي عيسى [٤] الطحان، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبيه -أو: عن أخيه- عن النعمان بن بشير، به [٥].

وقوله: ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس: الكلم الطيب: ذكر الله، يصعد به إلى الله ﷿، [والعمل الصالح أداء فرائضه] [٦] ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه، رد كلامه على عمله، فكان أولى به.

وكذا قال مجاهد: العمل الصالح [٧] يرفع الكلام الطيب. وكذا قال أَبو العالية، وعكرمة، وإبراهيم النخعي، والضحاك، والسدي، والربيع بن أنس، وشهر بن حوشب، وغير واحد. وقال إياس بن معاوية القاضي: لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام. وقال الحسن، وقَتَادة: لا يقبل قول إلَّا بعمل.

وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾، قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وشهر بن حوشب: هم المراءون بأعمالهم، يعني يمكرون بالناس، يوهمون أنهم في طاعة الله، وهم بُغَضاء إلى الله ﷿، يراءون بأعمالهم، ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلا قَلِيلًا﴾. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هم المشركون.

والصحيح أنَّها عامة، والمشركون داخلون بطريق الأولى. ولهذا قال: ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾،، أي: يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولى البصائر والنهى، فإنه ما أسرَّ عبد سريرة إلَّا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة إلَّا كساه الله رداءها، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلَّا على غبي، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم، بل يُكشَفُ لهُم عن قريب، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية.


(١٢) - أخرجه ابن ماجة في كتاب الأدب، باب: فضل التسبيح، حديث (٣٨٠٩)، (٢/ ١٢٥٢)، وقال البوصيري في الزوائد (٣/ ١٩٣): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".