للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (١٨)

يخبر تعالى بغنائه عما سواه، وبافتقار المخلوقات كلها إليه، وتذللها بين يديه، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾، أي: هم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات، وهو الغني عنهم بالذات، ولهذا قال: ﴿وَاللَّهُ [١] هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾، أي: هو المتفرد بالغنى وحده لا شريك له، وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله، ويقدره ويشرعه.

وقوله: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾، أي: لو شاء لأذهبكم أيها الناس وأتى بقوم غيركم، وما هذا عليه بصعب ولا ممتنع؛ ولهذا قال: ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾.

وقوله: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى﴾، أي: يوم القيامة، ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا﴾، أي: وإن تدع نفس مثقلة بأوزارها إلى أن تُساعَدَ على حمل ما عليها من الأوزار أو بعضه، ﴿لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾، أي: ولو كان قريبًا إليها، حتى ولو كان أباها أو ابنها، كل مشغول بنفسه وحاله.

قال عكرمة في قوله: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا﴾ الآية، قال: هو الجار يتعلق بجاره يوم القيامة، فيقول: يا رب، سل هذا: لم كان يغلق بابه دوني؟ وإن الكافر ليتعلق بالمؤمن يوم القيامة، فيقول له: يا مؤمن، إن لي عندك يدًا، قد عرفت كيف كنت لك في الدنيا، وقد احتجت إليك اليوم. فلا يزال المؤمن يشفع له إلى ربه ﷿ حتى يرده إلى [منزل دون] [٢] منزله، وهو في النار. وإن الوالد ليتعلق بولده يوم القيامة، فيقول: يا بني، أيّ والد كنتُ لك؟ فيثنى خيرًا، فيقول له: يا بني؛ إني قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك أنجو بها مما ترى. فيقول له ولده: يا أبت، ما أيسر ما طلبت! ولكنني أتخوف مثل ما تتخوَّف، فلا أستطيع أن أعطيك شيئًا. ثم يتعلق بزوجته فيقول: يا فلانة -أو: يا هذه- أي زوج كنت لك؟ فتثني خيرًا، فيقول لها: إني أطلب إليك حسنة واحدة تَهَبينَها [٣] لي، لعلي أنجو بها مما


[١]- سقط من: ز.
[٢]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز.
[٣]- في ز: "تهبيها".