للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مستقيم في الدنيا والآخرة، حتى يستقر به الحال في الجنات ذات الظلال والعيون، والكافر أعمى أصم، في ظلمات يمشي، لا خروج له منها، بل هو يتيه في غيه وضلاله في الدنيا والآخرة، حتى يفضي به ذلك إلى الحَرور والسموم والحميم، ﴿وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ﴾.

وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ﴾، أي: يهديهم إلى سماع الحجة وقبولها والانقياد لها، ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾، أي: كما لا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم، وهم كفار بالهداية والدعوة إليها، كذلك هؤلاء المشركون الذين كُتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم، ولا تستطيع هدايتهم.

﴿إِنْ أَنْتَ إلا نَذِيرٌ﴾، أي: إنما عليك البلاغ والإنذار، والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء.

﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ أي: بشيرًا للمؤمنين، ونذيرًا للكافرين، ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾، أي: وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله إليهم النذر، وأزاح عنهم العلل، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، وكما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيهِ الضَّلَالةُ﴾ الآية، والآيات في هذا كثيرة.

وقوله : ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾، وهي: المعجزات الباهرات، والأدلة القاطعات، ﴿وَبِالزُّبُرِ﴾، وهي الكتب، ﴿وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾، أي: الواضح المبين. ﴿ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، أي: ومع هذا كله كَذَّب أولئك رسلهم فيما جاءوهم به، فأخذتهم، أي بالعقاب والنكال، ﴿فَكَيفَ كَانَ نَكِيرِ﴾؟ أي: فكيف رأيت [] [١] إنكاري عليهم [يعني عظيمًا شديدًا بليغًا].

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)

يقول تعالى منبهًا على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد، وهو الماء الذي ينزله من السماء ويخرج به ثمرات مختلفًا ألوانها، من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض،


[١]- ما بين المعكوفتين في ز: "كان".