إلى غير ذلك من ألوان الثمار، كما هو المشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاورَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ [١] وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى [٢] بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
وقوله ﵎: ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا﴾، أي: وخلق الجبال كذلك مختلفة الألوان، كما هو المشاهد أيضًا من بيض وحمر، وفي بعضها طرائق - وهي: الجُدَد، جمع جُدَّة - مختلفة الألوان أيضًا.
قال ابن عباس ﵄: الجُدَد: الطرائق. وكذا قال أبو مالك، والحسن، وقتادة، والسدي. ومنها ﴿غَرَابِيبُ سُودٌ﴾، قال عكرمة: الغرابيب: الجبال الطوال السود. وكذا قال أبو مالك، وعطاء الخراساني، وقتادة. وقال ابن جرير: والعرب إذا وصفوا الأسود بكثرة السواد، قالوا [٣]: أسود غربيب. ولهذا قال بعض المفسرين في هذه الآية: هذا من المقدم والمؤخر في قوله تعالى: ﴿وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾، أي: سود غرابيب. وفيما قاله نظر.
وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ﴾، أي: وكذلك الحيوانات من الأناسي والدواب - وهو: كل ما دب على قوائم - والأنعام: من باب عطف الخاص على العام. كذلك هي مختلفة أيضًا، فالناس منهم بربر وحُبُوش وطُمَاطم في غاية السواد، وصقالبة وروم في غاية البياض، والعرب بين ذلك، والهنود دون ذلك؛ ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾. وكذلك الدواب والأنعام مختلفة الألوان، حتى في الجنس الواحد، [بل النوع الواحد منهن مختلف الألوان، بل الحيوان الواحد][٤] يكون أبلق، فيه من هذا اللون وهذا اللون، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده (١٧): حدثنا الفضل بن سهل، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان بن صالح، حدثنا زياد بن عبد الله، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: أيصبغ ربك؟ فقال:"نعم صبغًا لا يُنفَض، أحمر وأصفر وأبيض". ورُوي مرسلًا وموقوفًا، والله أعلم.
ولهذا قال تعالى بعد هذا: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، أي: إنما يخشاه حق
(١٧) - مختصر زوائد البزار برقم (١١٨٤) و"كشف الأستار" (٢٩٤٤) وقال البزار: لا نعلم أحدًا أسنده عن ابن عباس؛ إلا زياد، وقال غيره عن عطاء، عن سعيد بن جبير مرسلًا. وقال الهيثمي في المجمع (٥/ ١٢٨): "وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط".