لما ذكر تعالى حال السعداء، شرع في بيان مآل الأشقياء، فقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيهِمْ فَيَمُوتُوا﴾، كما قال تعالى: ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾. وثبت في صحيح مسلم (٣٩) أن رسول الله ﷺ، قال:"أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون". قال الله تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَينَا رَبُّكَ قَال إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾. فهم في حالهم ذلك يرون موتهم راحة لهم، ولكن لا سبيل إلى ذلك - قال الله تعالى: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (٧٤) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾، وقال: ﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾، ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إلا عَذَابًا﴾.
ثم قال: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾، أي: هذا جزاء كل من كفر بربه، وكذّب بالحق.
وقوله: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا﴾، أي: ينادون فيها، يجأرون إلى الله ﷿ بأصواتهم: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾، أي: يسألون الرجعة إلى الدنيا، ليعملوا غير عملهم الأول، وقد علم الرب ﷻ أنه لو ردهم إلى الدار الدنيا، لعادوا لما نهوا عنه، وإنهم لكاذبون. فلهذا لا يجيبهم إلى سؤالهم، كما قال تعالى مخبرًا عنهم في قولهم: ﴿فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ [١] مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا﴾. أي: لا يجيبكم إلى ذلك؛ لأنكم كنتم [٢] كذلك، ولو رددتم لعدتم إلى ما نهيتم عنه. ولهذا قال هاهنا: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾، أي: أو ما عشتم في الدنيا أعمارًا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم؟.
وقد اختلف المفسرون في مقدار العمر المراد هاهنا، فرُوي عن علي بن الحسين زين العابدين؛ أنه قال [٣]: مقدار سبع عشرة سنة.
وقال قتادة: اعلموا أن طول العمر [حجة، فنعوذ بالله أن نُعَيَّر بطول العمر][٤]، قد نزلت هذه الآية: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾، وإن فيهم لابن ثماني عشرة سنة [٥].