للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة التي بها تقوم السماء والأرض عن أمره، وما جعل فيهما من القوة الماسكة لهما، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾، أي: أن تضطربا عن أماكنهما، كما قال: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إلا بِإِذْنِهِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾.

﴿وَلَئِنْ زَالتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾، أي: لا يقدر على دوامهما وإبقائهما إلا هو، وهو مع ذلك حليم غفور أي: يرى عباده وهم يكفرون به ويعصونه، وهو يحلم فيؤخر وينظر ويؤجل ولا يَعجَل، ويستر آخرين ويغفر، ولهذا قال: ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾.

وقد أورد ابن أبي حاتم (٥٧) هاهنا حديثًا غريبًا بل منكرًا، فقال: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثني هشام بن يوسف، في أمية بن شبل [١]، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة؛ قال: سمعت رسول اللَّه يحكي عن موسى على المنبر؛ قال: "وقع في نفس موسى هل ينام اللَّه ﷿؟ فأرسل اللَّه إليه ملكًا، فأرّقه ثلاثًا، وأعطاه قارورتين [في كل يد قارورة] [٢] وأمره أن [٣] يحتفظ بهما، قال: فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ فيحبس [٤] إحداهما عن الأخرى، حتى نام نومة فاصطفقت يداه [٥] فتكسَّرَت القارورتان، و [٦] قال: ضرب اللَّه له [٧] مثلًا: إن اللَّه لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض".

و [٨] الظاهر أن هذا الحديث ليس بمرفوع، بل من الإسرائيليات المنكرة، فإن موسى أجَلُّ من [٩] أن يُجَوِّز على اللَّه النوم، وقد أخبر اللَّه تعالى في كتابه العزيز بأنه: ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾. وثبت في الصحيحين (٥٨) عن أبي موسى الأشعري ؛ قال: قال رسول اللَّه : "إن اللَّه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه الفور أو النار، لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه


(٥٧) - سبق تخريجه عند تفسير الآية: ٢٥٥ من سورة البقرة.
(٥٨) - مسلم في كتاب الإيمان برقم (١٧٩)، وليس في صحيح البخاري، وهو عند أحمد (٤/ ٣٩٥، ٤٠٠، ٤٠٥) وقد ذكره الحافظ عند تفسير الآية: ٢٥٥ من سورة البقرة فقال: "وفي الصحيح هكذا بالإفراد".