للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخبر تعالى عن قريش والعرب أنهم أقسموا باللَّه جهد أيمانهم، قبل إرسال الرسول إليهم: ﴿لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾، أي: من جميع الأمم الذين أرسل إليهم الرسل. قاله الضحاك وغيره، كقوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَينِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَينَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا﴾ وكقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾.

قال اللَّه تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ﴾، وهو: محمد بما أنزل معه من الكتاب العظيم، وهو القرآن المبين، ﴿مَا زَادَهُمْ إلا نُفُورًا﴾، أي: ما ازدادوا إلا كفرًا إلى كفرهم، ثم بين ذلك بقوله: ﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ﴾، أي: استكبروا عن اتباع آيات اللَّه، ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾، أي: ومكروا بالناس في صدِّهم إياهم عن سبيل اللَّه، ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلا بِأَهْلِهِ﴾، [أي: وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم.

قال ابن أبي حاتم: ذكر علي بن الحسين، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي زكريا الكوفي، عن رجل حَدَّثه، أن رسول اللَّه قال: "إياك ومكر السيئ، فإنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله] [١]، ولهم من اللَّه طالب" (٦٢).

وقد قال محمد بن كعب القرظي: ثلاث من فعلهن لم ينجُ حتى ينزل به من مكر أو بغي أو نكث، وتصديقها في كتاب اللَّه: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلا بِأَهْلِهِ﴾، [﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾، ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾] [٢].

وقوله: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ﴾، يعني: عقوبة اللَّه لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره، ﴿ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾، أي: لا تغير ولا تبدل، بل هي جارية كذلك في كل مكذب، ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْويلًا﴾، أي: ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾، ولا يكشف ذلك عنهم، ويحوله عنهم أحد.

﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ


(٦٢) - في إسناده جهالة، وانقطاع، ولم أجد من أخرجه غير ابن أبي حاتم، وقد روى ابن المبارك في الزهد برقم (٧٢٥) عن الزهري مرسلًا نحوه.