للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بأن حَتَّم عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون، ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ باللَّه، ولا يصدقون رسله.

﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنَا مِنْ بَينِ أَيدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَينَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَوَاءٌ عَلَيهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيءٍ أَحْصَينَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (١٢)

يقول تعالى: إنا جعلنا هؤلاء المحتوم عليهم بالشقاء نسبتهم إلى الوصول إلى الهدى كنسبة من جُعل في عنقة غُلّ؛ فجَمَع يديه مع عنقه تحت ذقنه، فارتفع رأسُه، فصار مقمَحًا، ولهذا قال: ﴿فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾، والمقمح هو الرافع رأسه، كما قالت أم زَرْع في كلامها: "وأشرب فأتقمَّح"، أي: أشرب فأروى، وأرفع رأسي تهينًا وتَرَوّيًا. واكتفى بذكر الغل في العنق عن ذكر اليدين، وإن كانتا مرادتين، كما قال الشاعر:

فَمَا أدْري إذَا يَمَّمْتُ أرْضا … أريد الخَيْرَ أيَّهما يَليني

ألخْيَرُ الذي أنَا أبْتَغيه … أم الشَّرُّ الذي لا يَأتَليني

فاكتفى بذكر الخير عن ذكر الشر لَمَّا دل السياق والكلام عليه، وكذا هذا، لما كان الغُلّ إنما يعرف فيما جَمَع اليدين مع العنق، اكتفى بذكر العنق عن اليدين.

قال العوفي، عن ابن عباس في قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾، قال: هو كقول اللَّه تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾، يعني بذلك أن أيديهم موثقة إلى أعناتهم، لا يستطيعون أن يبسطوها بخير.

وقال مجاهد: ﴿فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾، قال: رافعو [١] رءوسهم، وأيديهم موضوعة على أفواههم، فهم مغلولون عن كل خير.

وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَينِ أَيدِيهِمْ سَدًّا﴾، قال مجاهد: عن الحق، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا﴾، قال مجاهد: عن الحق، فهم يترددون. وقال قتادة: في الضلالات.

وقوله: ﴿فَأَغْشَينَاهُمْ﴾، أي: أغشينا أبصارهم عن الحق، ﴿فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾، أي: لا ينتفعون بخير ولا يهتدون إليه.


[١]- في خ، ز: "راخي".