للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن جرير: وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ (فأعشيناهم)، بالعين المهملة، من العشا وهو داء في العين.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: جعل اللَّه هذا السد بينهم وبين الإسلام والإيمان، فهم لا يخلصون إليه، وقرأ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾. ثم قال: من منعه اللَّه لا يستطيع.

وقال عكرمة: قال أبو جهل: لئن رأيتُ محمدًا لأفعلن ولأفعلنّ. فأنزلت: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ إلى قوله: ﴿يُبْصِرُونَ﴾، قال: وكانوا يقولون: هذا محمد. فيقول: أين هو؟ أين هو؟ لا يبصره. رواه ابن جرير.

وقال محمد بن إسحاق (٨): حدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب؛ قال: قال أبو جهل وهم جلوس: إن محمدًا يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوكًا، فإذا متُّم بُعثتُم بعد موتكم، وكانت لكم جِنانٌ خير من جنان الأرْدُن. وأنكم إن خالفتموه كان لكم منه ذبح، ثم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نار تُعذّبون بها. وخرج رسول اللَّه عند ذلك. وفي يده حفنة من تراب، وقد أخذ اللَّه على أعينهم دونه، فجعل يَذرّها على رءوسهم، ويقرأ: ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾، حتى انتهى إلى قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَينِ أَيدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَينَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾، وانطلق رسول اللَّه لحاجته، وباتوا رُصَداء على بابه، حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من الدار، فقال: ما لكم؟ قالوا: ننتظر محمدًا. قال: قد خرج عليكم، فما بقي منكم من رجل إلا وضع على رأسه ترابًا، ثم ذهب لحاجته. فجعل كل رجل منهم ينفض ما على رأسه من تراب. قال: وقد بلغ النبي قول أبي جهل فقال: "وأنا أقول ذلك: إن لهم مني لذبحًا، وإنه أحدهم [١] ".

وقوله: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾، أي: قد ختم اللَّه عليهم بالضلالة، فما يفيد فيهم الإنذار ولا يتأثرون به.

وقد تقدم نظيرها في أول "سورة البقرة"، وكما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾.

﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾، أي: إنما ينتفع بإنذارك المؤمنون الذين يتبعبون الذكر، وهو القرآن العظيم، ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيبِ﴾، أي: حيث [٢] لا يراه أحد إلا اللَّه، يعلم أن اللَّه مطلع عليه، وعالم بما يفعله، ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ﴾. أي: لذنوبه، ﴿وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾، أي: كبير


(٨) - سيرة ابن هشام (٢/ ٩٥).