للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمراد من هذا والله أعلم الإخبارُ عن هذه الدار بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واستقرار، ولهذا قال: ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾، أي: يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم ثم صيرورتهم إلى الشَّبيبَة [١]، ثم إلى الشيخوخة، ليعلموا أنهم خُلقوا لدار أخرى، لا زوال لها ولا انتقال منها، ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.

وقوله: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾، يقول تعالى مخبرًا عن نبيه محمد : إنه ما علمه الشعر، ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾، أي: وما هو في طبعه، فلا يحسنه ولا يحبه، ولا تقتضيه جِبِلَّتُه، ولهذا وَرَد أنه كان [٢] لا يحفظ بيتًا على وزن منتظم، بل إن أنشده زَحَّفه أو لم يتمه.

وقال أبو زُرْعة الرازي: حُدّثت عن إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن الشعبي أنه قال: ما ولد عبد المطلب ذكرًا ولا أنثى إلا يقول الشعر، إلا رسول الله . ذكره ابن عساكر في ترجمة "عتبة بن أبي لهب" الذي أكله السّبُع بالزرقاء.

قال ابن أبي حاتم (٣٨): حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي [ابن زيد] [٣]، عن الحسن هو البصري؛ قال [٤]: إن رسول الله كان يتمثل بهذا البيت:

*كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيًا*

فقال [٥] أبو بكر: يا رسول الله:

* كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا*

قال أبو بكر، أو عمر: أشهد أنك رسول الله، يقول الله: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾.

وهكذا روى البيهقي في "الدلائل"، أن رسول الله ؛ قال للعباس ابن مرداس السلمي: "أنت القائل:

أتجعل نَهْبي ونَهْب العُبَي … د بينَ الأقرع وعيينة"

فقال: إنما هو: "بين عيينة والأقرع" فقال: "الكل سواء".


(٣٨) - زاد السيوطي نسبته في الدر المنثور (٥/ ٥٠٥) إلى ابن سعد في الطبقات والمرزباني في معجم الشعراء.