للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن أبي الأشعث الصنعاني، (ح) وحدثنا الأشيب فقال: عن أبي عاصم، عن أبي [١] الأشعث، عن شَداد بن أوس؛ قال: قال رسول الله : "من قرض بيت شعر بعد العشاء الآخرة، لم تقبل له صلاة تلك الليلة".

وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة.

والمراد بذلك نظمه لا إنشاده، والله أعلم. على أن الشعر فيه ما هو مشروع، وهو هجاء المشركين الذي كان يتعاطاه شعراء الإسلام، كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك وعبد الله بن رَوَاحة، وأمثالهم وأضرابهم، أجمعين. ومنه ما فيه حكم ومواعظ وآداب، كما يوجد في شعر جماعة من الجاهلية، ومنهم أمية بن أبي الصلت الذي قال فيه النبي : "آمن شعره وكفر قلبه". وقد أنشد بعض الصحابة منه للنبي مائة بيت، يقول عقب كل بيت: "هيه"؛ يعني يستطعمه [٢] (*)، فيزيده [٣] من ذلك.

وقد روى أبو داود (٥٢) من حديث أبي بن كعب، وبُريدة بن الحُصَيب، وعبد الله بن عباس؛ أن رسول الله ؛ قال: "إن من البيان سحرًا، وإن من الشعر حكمًا".

ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ﴾، ويعني [٤]: محمدًا ما علمه الله شعرًا، ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾، أي [٥]: وما يصلح له، ﴿إِنْ هُوَ إلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾، [أي: ما هذا الذي علمناه ﴿إلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾،] [٦] أي: بين واضح جلي لمن تأمله وتدبره؛ ولهذا قال: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾، أي: لينذر هذا القرآن البينّ كلّ حي على وجه الأرض، كقوله: ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾، وقال: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾. وإنما ينتفع بنذارته من هو حَيّ القلب، مستنير البصيرة، كما قال قتادة: حي القلب، حي البصر. وقال الضحاك: يعني عاقلًا، ﴿وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، أي: هو [٧] رحمة للمؤمن، وحجة على الكافر ..


(*) استطعم فلانًا الحديث: طلب منه أن يحدثه.
(٥٢) - حديث أبي بن كعب أخرجه أبو داود في الأدب باب: ما جاء في الشعر، حديث (٥٠١٠)، وهو عند البخاري في صحيحه في الأدب، باب: ما يجوز في الشعر، حديث (٦١٤٥) بلفظ: "إن من الشعر حكمة" وحديث بريدة أخرجه أبو داود في نفس الموضع حديث (٥٠١٢) وحديث ابن عباس أخرجه أبو داود في نفس الموضع حديث (٥٠١١) وهو عند البخاري في الأدب المفرد (٨٧٢)، والترمذي في السنن (٢٨٤٥).