يقول تعالى: فسل هؤلاء [١] المنكرين للبعث: أيما أشد خلقًا هم أم السماوات والأرض، وما بينهما من الملائكة والشياطين والمخلوفات العظيمة؟ وقرأ ابن مسعود:(أم من عددنا)، فإنهم يُقرّون أن هذه الخلوقات أشد خلقًا منهم، وإذا كان الأمر كذلك فلم ينكرون البعث، وهم يشاهدون ما هو أعظم مما أنكروا؟ كما [٢] قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ثم بين أنهم خلقوا من شيء ضعيف فقال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾.
قال مجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك: هو الجيّد [٣] الذي يلتزق بعضه ببعض.
وقال ابن عباس (٧)، وعكرمة: هو اللزج وقال قتادة: هو الذي يلزق باليد.
وقوله: ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ﴾ أي: بل عجبت -يا محمد- من تكذيب هؤلاء المنكرين للبعث، وأنت موقن مصدق بما أخبر الله به من الأمر العجيب، وهو إعادة الأجسام بعد فنائها، وهم بخلاف أمرك، من شدة تكذيبهم يسخرون مما تقول لهم من ذلك.
قال قتادة: عجب محمد ﷺ وسخر ضلال بني آدم.
﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً﴾ أي: دلالة واضحة على ذلك ﴿يَسْتَسْخِرُونَ﴾ قال مجاهد، وقتادة: يستهزئون.
﴿وَقَالُوا إِنْ هَذَا إلا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ أي: إنْ هذا الذي جئت به إلا سحر مبين ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾ يستبعدون ذلك ويكذبون به ﴿قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ﴾ أي: قل لهم يا محمد: نعم تبعثون يوم القيامة بعدما تصيرون ترابًا وعظامًا ﴿وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ﴾ أي: حقيرون تحت القدرة العظيمة. كما قال تعالى: ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾.
وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ ثم قال: ﴿فَإِنَّمَا
(٧) - رواه عنه ابن جرير في تفسيره (٢٣/ ٤٢، ٤٣) بأسانيد قابلة للصحة وانظر الدر المنثور (٥/ ٥١٢).