للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يحتمل أن يكون المراد بذلك شجرة واحدة معينة، كما قاله [١] بعضهم من أنَّها شجرة تمتد فروعها إلى جميع محالّ جهنم، كما أن شجرة طوبى ما من دار في الجنَّة إلا وفيها منها غصن.

وقد يحتمل أن يكون المراد بذلك جنس شجر، يقال له: الزقرم، كقوله تعالى: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَينَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾، يعني: الزيتونة، ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ﴾ وقوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ﴾ قال قَتَادة: ذُكرت شجرة الزقوم، فافتتن بها أهل الضلالة، وقالوا: صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر، فأنزل الله ﷿: ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ﴾ غُذيت من النار، ومنها خلقت. وقال مجاهد: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ﴾، قال أَبو جهل - لعنه الله -: إنما الزقرم التمر والزبد أتزقمه [٢].

قلت: ومعنى الآية: إنما أخبرناك يا محمد بشجرة الزقرم اختبارًا نختبر [٣] به الناسَ، مَن يُصَدق منهم ممن يكذب، كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَينَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلا طُغْيَانًا كَبِيرًا (٦٠)﴾ وقوله: ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ﴾ أي: أصل منبتها في قرار النار، ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ تبشيع وتكريه لذكرها.

قال وَهْب بن منبه: شعور الشياطين قائمة إلى السماء وإنما شبهها برءوس الشياطين وإن لم تكن معروفة عند المخاطبين؛ لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر.

وقيل: المراد بذلك ضرب من الحيات رءوسها بشعة المنظر وقيل [٤]: جنس من النبات، طلعه في غاية الفحاشة.

وفي هذين الاحتمالين نظر، وقد ذكرهما ابن جرير، والأول أقوى وأولى، والله أعلم.

وقوله: ﴿فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ﴾، ذكر تعالى أنهم يأكلون من هذه الشجرة التي لا أبشع منها، ولا أقبح من منظرها، مع ما هي عليه من سوء الطعم والريح والطبع، فإنهم ليضطرون إلى الأكل منها؛ لأنهم لا يجدون إلَّا إياها، وما في معناها، كما قال: ﴿لَيسَ لَهُمْ طَعَامٌ إلا مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾.


[١]- في ز: "قاله".
[٢]- في ز: "أثر فمه".
[٣]- في ز: "تخبر".
[٤]- في ز: "بقل".