للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حَرّه لحومُ وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود، ويصهر ما في بطونهم، فيمشون تسيل [١] أمعاؤهم وتسَّاقط [٢] جلودهم، ثم يضربون بمقامع من حديد، فيسقط كل عضو على حياله، يدعون بالثبور.

وقوله: ﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ﴾ أي: ثم إن مَرَدَّهم بعد هذا الفصل لإِلى نار تتأجج، وجحيم تتوقد، وسعير تتوهج، فتارة في هذا وتارة في هذا، كما قال تعالى: ﴿يَطُوفُونَ بَينَهَا وَبَينَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ هكذا تلا قَتَادة هذه الآية، عند هذه الآية وهو تفسير حسن قوى، وقال السدي في قراءة عبد الله: "ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم" وكان عبد الله يقول: والذي نفسي بيده لا ينتصف نهار [٣] يوم القيامة حتَّى يقيلَ أهل الجنَّة في الجنَّة، وأهل النار في النار، ثم قرأ: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾.

وروى الثَّوري (٣٢)، عن ميسرة، عن المنهاج بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لا ينتصف النهار يوم القيامة حتَّى يقيل هؤلاء ويقيل هؤلاء. قال سفيان: أراه، ثم قرأ: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾. ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم.

قلت: على هذا التفسير تكون "ثم" عاطفة [لخبر على خبر] [٤].

وقوله: ﴿إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ﴾ أي: إنما جازيناهم بذلك لأنهم وجدوا آباءهم على الضلالة فاتبعوهم فيها بمجرد ذلك، من غير دليل ولا برهان؟ ولهذا قال: ﴿فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾، قال مجاهد [٥]: شبيهة بالهرولة. وقال سعيد بن جبير: يَسْفَهُون.

﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤)


(٣٢) - رواه ابن أبي حاتم -كما في "الدر المنثور" (٥/ ١٢٢، ٥٢٣) - ومن طريقه الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٤٠٢) - ثنا قبيصة بن عقبة، ثنا سفيان الثَّوري به. وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي!! ورجاله ثقات غير أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه إلَّا أحرفًا يسيرة. ومسلم لم يرو بهذا الإسناد شيئًا. وزاد نسبته السيوطي إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن المبارك في "الزهد" وروى ابن جرير (٥/ ١٩) بإسناد صحيح إلى إبراهيم بن يزيد النخعي في قوله: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ قال: كانوا يرون أنَّه يرون أنه فرغ من حساب الناس - يوم القيامة من نصف النهار، فيقيل هؤلاء في الجنَّة، وهؤلاء في النار وقد صحح جماعة من الأئمة مراسيل إبراهيم النخعي انظر ترجمته في "التهذيب".