للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ أي: هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد، ونجعل لهم من أمرهم فرجًا ومخرجًا، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا﴾.

وقد استدل بهذه الآية والقصة جماعة من علماء الأصول على صحة النسخ قبل التمكن من الفعل، خلافًا لطائفة من المعتزلة، والدلالة من هذه ظاهرة، لأن الله تعالى شرع لإِبراهيم ذَبْحَ ولده، ثم نسخه عنه وصرفه إلى الفداء، وإنَّما كان المقصود من شرعه أولًا إثابة الخليل على الصبر على ذبح ولده وعزمه على ذلك، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾ أي: الاختبار الواضح الجلي؟ حيث أُمِرَ بذبح ولده، فسارع إلى ذلك مستسلمًا لأمر الله، منقادًا لطاعته، ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ ".

وقوله: ﴿وَفَدَينَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾، قال سفيان الثَّوري (٥٣): عن جابر الجُعْفي، عن أبي الطفيل، عن علي : ﴿وَفَدَينَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ قال: بكبش أبيض أعين أقرن، قد ربط بسمرة، قال أبو الطفيل: وجدوه مربوطًا بَسُمَرة في ثَبِير، وقال الثَّوري أيضًا (٥٤): عن عبد الله ابن عثمان بن خُثَيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس قال: كبش قد رعى في الجنَّة أربعين خريفًا.

وقال ابن أبي حاتم (٥٥): حدَّثنا أبي، حدَّثنا يوسف بن يعقوب الصفار، حدَّثنا داود العَطّار [١]، عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس قال: الصخرة التي بمنى بأصل ثَبِير هي الصخرة التي ذبح عليها إبراهيم فداء ابنه، هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء،


(٥٣) - رواه ابن جرير (٢٣/ ٨٦) وجابر الجعفي ضعيف، والخبر ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٥/ ٥٣٤) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه.
(٥٤) - إسناده هكذا حسن غير أني لم أقف على من دون الثَّوري، وقد ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٥/ ٥٣٤) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن جرير، وهو عند الأخير في تفسيره (٢٣/ ٨٧) من طريق يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عبد الله بن عيسى، عن سعيد بن جبير به. وأخشى أن يكون "عبد الله بن عيسى" - وهو ثقة "كما في التقريب" - محرفًا من "عبد الله بن عثمان" أو أن يحيى بن يمان قد أخطأ في هذا الإسناد فإنه موسوم في "التقريب" بأنه: "صدوق يخطئ كثيرًا".
(٥٥) - وعزاه إلى ابن أبي حاتم السيوطي في "الدر النثور" (٥/ ٥٣٤) وقد رواه الحاكم (٢/ ٥٥٩) من طريق الواقدي - وهو متروك، غير أنَّه متابع من شيخ أبي حاتم - عن داود العطار به. وإسناده حسن، وقد رواه ابن جرير في تفسيره (٢٣/ ٨٦) من طريق سفيان الثَّوري عن ابن خثيم به مختصرًا. والخبر زاد نسبته السيوطي إلى عبد بن حميد وابن المنذر.