ثم خوفهم ما أهلك به الأمم المكذبة قبلهم بسبب مخالفتهم للرسل وتكذيبهم الكتب المنزلة من السماء، فقال: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ أي: من أمة مكذبة، ﴿فَنَادَوْا﴾ أي: حين جاءهم العذاب استغاثوا وجَأرُوا إلى الله، وليس ذلك بمُجدٍ عنهم شيئًا، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾ أي: يهربون، ﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾.
قال أبو داود الطيالسي (١): حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: سألت ابن عباس عن قول الله: ﴿فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾، قال: ليس بحين نداء [١]، ولا نَزْو [٢]. ولا فرار وقال عليَّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: ليس بحين مغاث.
وقال شبيب بن بشر عن عكرمة، عن ابن عباس: نادوا النداء حين لا ينفعهم، وأنشد:
تَذَكَّرَ [٣] لَيْلَى لَاتَ حَين تَذَكُّرِ.
وقال محمد بن كعب في قوله: ﴿فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾، يقول: نادوا بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم، واستباصوا [٤] للتوبة [٥] حين تولت الدنيا عنهم.
وقال قتادة: لما رأوا العذاب أرادوا التوبة في غير حين [٦] النداء.
وقال مجاهد: ﴿فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾، ليس بحين فرار ولا إجابة.
وقد روي نحو هذا عن عكرمة، وسعيد بن جبير، وأبي [٧] مالك، والضحاك، وزيد بن أسلم، والحسن، وقتادة.
وعن مالك، عن زيد بن اسم: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾، ولا نداء في غير حين النداء.
وهذه الكلمة وهي ﴿وَلَاتَ﴾، هي"لا" التي للنفي، زيدت معها "التاء"، [كما تزاد][٨] في "ثُمّ"، فيقولون:"ثُمّت"، و"رب" فيقولون [٩]: "رُبَّت". وهي
(١) - أخرجه أيضًا الطبري في تفسيره (٢٣/ ١٢١)، والحاكم (٢/ ٤٣٢ - ٤٣٣) من طرق عن أبي إسحاق به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٥٥٦) أيضًا إلى عبد الرزاق، والفريابي، وعبد بن حميد وابن المنذر.