للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَينَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)﴾ الآية.

[وقال عكرمة: ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾، [١]، هذا من المقدم والمؤخر، لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا.

وقال السدي: لهم عذاب شديد بما تركوا أن يعملوا ليوم الحساب.

وهذا القول أمشى علي ظاهر الآية، فالله أعلم.

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَينَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)

يخبر تعالى أنه ما خلق الخلق عبثًا، وإنما خلقهم ليعبدوه ويوحدوه، ثم يجمعهم [٢] ليوم الجمع، فيثيب المطيع ويعذب الكافر؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَينَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: الذين لا يرون بعثًا ولا معادًا، وإنما يعتقدون هذه الدار فقط، ﴿فَوَيلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ أي: ويل لهم يوم معادهم ونشورهم من النار المعدة لهم.

ثم بين تعالى أنه من عدله وحكمته لا يساوي بين المؤمن والكافر، فقال: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ أي: لا نفعل ذلك، ولا يستوون عند الله، وإذا كان الأمر كذلك فلا بُدّ من دار أخرى، يثاب فيها هذا المطيع، ويعاقب فيها هذا الفاجر. وهذا الإِرشاد يدل العقول السليمة والفطَرَ المستقيمة على أنه لا بد من معاد وجزاء، فإنا نرى الظالم الباغي يزداد ماله وولده ونعيمه ويموت كذلك، ونرى المطيع المظلوم يموت بكَمَده، فلا بد في حِكمَة الحكيم العليم العادل، الذي لا يظلم مثقال ذرة، من إنصاف هذا من هذا. وإذا لم يقع هذا في هذه الدار، فتعين [أن هناك دارًا] [٣] أخرى لهذا الجزاء والمواساة. ولما كان القرآن يرشد إلي المقاصد الصحيحة والمآخذ العقلية الصريحة، قال: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أي: ذوو العقول، وهي الألباب، جمع لب، وهو العقل.


[١]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ.
[٢]- في ز: "جمعهم".
[٣]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، وفي ز "دار".