أخطأ في ذلك، وخالف أمر اللَّه، وكفر بذلك، فأبعده اللَّه وأرغم أنفه، وطرده عن [١] باب رحمته ومحل أنسه، وحضرة قدسه، وسماه "إبليس"، إعلامًا له بأنه قد أبْلَس من الرحمة، وأنزله من السماء مذمومًا مَدْحورًا إلى الأرض، فسأل اللَّه النَّظِرَةَ إلى يوم البعث، فأنظره الحليم الذي لا يَعْجَل على من عصاه. فلما أمِنَ الهلاك إلى يوم القيامة تَمَرَّد وطغى، وقال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْويَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾، كما قال: ﴿أَرَأَيتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلا قَلِيلًا﴾، وهؤلاء هم المستثنون في الآية الأخرى، وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ وقوله: ﴿قَال فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾، قرأ ذلك جماعة منهم مجاهد برفع "الحق" الأولى، وفسره مجاهد بأن معناه: أنا الحق، والحق أقول. وفي رواية عنه: الحقُّ مني، وأقول الحقَّ.
وقرأ آخرون بنصبهما قال السدي: هو قسم أقسم اللَّه به.
يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: ما أسألكم على هذا البلاغ وهذا النصح أجرًا تعطونيه من عرض الحياة الدنيا، ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ أي: وما أزيد على ما أرسلني اللَّه به، ولا أبتغي زيادة عليه، بل ما أمرت به أدّيته لا أزيد عليه ولا أنقص منه، وإنما أبتغي بذلك وجه اللَّه ﷿ والدار الآخرة.
قال سفيان الثوري: عن الأعمش، ومنصور، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: أتينا عبد اللَّه بن مسعود قال: يا أيها الناس، من علم شيئًا فليقل به، ومن لا يعلم فليقل: اللَّه أعلم؛ فإن من العلم أن يقولَ الرجلُ لما لا يعلم: اللَّه أعلم، فإن اللَّه قال لنبيكم ﷺ: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾. أخرجاه (٣٨) من حديث الأعمش، به.
(٣٨) - أخرجه البخاري في التفسير، باب (وما أنا من المتكلفين) حديث (٤٨٠٩)، ومسلم في كتاب صفات المنافقين، حديث (٢٧٩٨).