للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ أي: في حال عبادته خائف راج، ولابدَّ في العبادة من هذا وهذا، وأن يكون الخوف في مدة الحياة هو الغالب؛ ولهذا قال: ﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾، فإذا كان عند الاحتضار فَلْيَكُن الرجاء هو الغالب عليه [١]، كما قال الإمام عَبدُ بن حُمَيد في مسنده (٣):

حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت، عن أنس قال: دخل رسول الله على رجل وهو في الموت، فقال له: "كيف تجدك؟ ". قال: أرجو وأخاف. فقال رسول الله : "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ﷿ الذي يرجو، وأمنه الذي يخافه".

ورواه الترمذي والنسائي في "اليوم والليلة"، وابن ماجة من حديث سَيَّار بن حاتم، عن جعفر بن سليمان، به، وقال الترمذي.: غريب. وقد رواه بعضهم عن ثابت، عن أنس، عن النبي مرسلًا.

و [٢] قال ابن أبي حاتم (٤)، حدثنا عمر بن شَبَّة، عن عبيدة النميري، حدثنا أبو خلف [٣]، عبد الله بن عيسى الخزاز [٤]، حدثنا يحيى البكاء، أنه سمع ابن عمر قَرَأ: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ قال ابن عمر: ذاك عثمان بن عفان .

وإنما قال ابن عمر ذلك؛ لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته، حتى إنه ربما قرأ القرآن في ركعة، كما روى ذلك أبو عبيدة عنه ، وقال الشاعر:

ضَحوا بأشمط عنوان السجود به … يقطع الليل تسبيحًا وقرآنا

وقال الإمام أحمد (٥): كتب إلي الربيع بن نافع: حدثنا الهيثم بن حميد، عن زيد بن واقد، عن سليمان بن موسى، عن كثير بن مرة، عن تميم الداري قال: قال رسول الله : "من قرأ بمائة آية في ليلة، كُتبَ له قنوت ليلة".


(٣) - المنتخب من مسند عبد بن حميد (١٣٧٠)، وأخرجه الترمذي في الجنائز، حديث (٩٨٣)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (١٠٦٢) وابن ماجه في الزهد، باب: ذكر الموت والاستعداد له، حديث (٤٢٦١) من طريق سيار، عن جعفر بن سليمان به.
(٤) - عزاه السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٣٥٥ - ٣٥٦) إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبي نعيم في الحلية، وابن عساكر.
(٥) - المسند (٤/ ١٠٣)، وأخرجه الدارمي (٣٤٥٣) من طريق يحيى بن حمزة، عن زيد بن واقد به.