للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى﴾ أي: لا تحمل نفس عن نفس شيئًا [١]، بل كلٌّ مطالب بأمر نفسه، ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [أي: فلا تخفى عليه خافية] [٢].

وقوله: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيهِ﴾ أي: عند الحاجة يضرع ويستغيث باللَّه وحده لا شريك له، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾؛ ولهذا قال: ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيهِ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: في حال الرفاهية ينسى ذلك الدعاء والتضرع، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾.

﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ أي: في حال العافية يشرك باللَّه، ويجعل له أندادًا، ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ أي: قل لمن هذه حاله وطريقته ومسلكه: تمتع بكفرك قليلًا وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، كقوله: ﴿قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ﴾ وقوله: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾.

﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (٩)

يقول تعالى: أمَّن هذه صفته كمن أشرك باللَّه وجعل له أندادًا؟ لا يستوون عند اللَّه، كما قال تعالى: ﴿لَيسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾، وقال هاهنا: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا﴾ أي: في حال سجوده وفي حال قيامه؛ ولهذا استدل بهذه الآية مَن ذهب إلى أن القنوت هو الخشوع في الصلاة، ليس هو القيام وحده، كما ذهب إليه آخرون.

وقال الثوري، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود، أنه قال: القانت المطيع للَّه ولرسوله.

وقال ابن عباس، والحسن، والسدي، وابن زيد: ﴿آنَاءَ اللَّيلِ﴾: جوف الليل.

وقال الثوري، عن منصور: بلغنا أن ذلك بين المغرب والعشاء.

وقال الحسن، وقتادة: ﴿آنَاءَ اللَّيلِ﴾: أوله وأوسطه وآخره.


[١]- سقط من: ز.
[٢]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، ز.