للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَعْدِ خَلْقٍ﴾ أي: يكون أحدكم أولًا نطفة، ثم يكون علقة، ثم يكون مضغة، ثم يخلق فيكون لحمًا وعظمًا وعَصَبًا وعروقا، وينفخ فيه الروح فيصير خلقًا آخر، ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾.

وقوله: ﴿فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ﴾ يعني: ظلمة الرحم، وظلمة المشَيمَة -التي هي كالغشاوة والوقاية على الولد-، وظلمة البطن. كذا قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وأبو مالك، والضحاك، وقتادة، والسدي، وابن [١] زيد.

وقوله: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ أي: هذا الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما وخلقكم [٢] وخلق آباءكم، هو الرب له الملك والتصرف في جميع ذلك، ﴿لَا إِلَهَ إلا هُوَ﴾ أي: الذي [٣] لا تنبغي العبادة إلا له وحده، ﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ أي: فكيف تعبدون معه غيره؟ أين يُذْهَبُ بعقولكم؟!

﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٧) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (٨)

يقول تعالى مخبرًا عن نفسه تعالى: بأنه [٤] الغني عما سواه من المخلوقات، كما قال موسى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾.

وفي صحيح مسلم (٢): " يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا".

وقوله: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ أي: لا يحبه ولا يأمر به، ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ أي: يحبه منكم ويزدكم [٥] من فضله.


(٢) - تقدم في تفسير سورة يونس الآية (٤٤).