بَعْدِ خَلْقٍ﴾ أي: يكون أحدكم أولًا نطفة، ثم يكون علقة، ثم يكون مضغة، ثم يخلق فيكون لحمًا وعظمًا وعَصَبًا وعروقا، وينفخ فيه الروح فيصير خلقًا آخر، ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾.
وقوله: ﴿فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ﴾ يعني: ظلمة الرحم، وظلمة المشَيمَة -التي هي كالغشاوة والوقاية على الولد-، وظلمة البطن. كذا قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وأبو مالك، والضحاك، وقتادة، والسدي، وابن [١] زيد.
وقوله: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ أي: هذا الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما وخلقكم [٢] وخلق آباءكم، هو الرب له الملك والتصرف في جميع ذلك، ﴿لَا إِلَهَ إلا هُوَ﴾ أي: الذي [٣] لا تنبغي العبادة إلا له وحده، ﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ أي: فكيف تعبدون معه غيره؟ أين يُذْهَبُ بعقولكم؟!
يقول تعالى مخبرًا عن نفسه تعالى: بأنه [٤] الغني عما سواه من المخلوقات، كما قال موسى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾.
وفي صحيح مسلم (٢): " يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا".
وقوله: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ أي: لا يحبه ولا يأمر به، ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ أي: يحبه منكم ويزدكم [٥] من فضله.