يقول تعالى مخاطبًا رسولَه محمدًا ﷺ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيكَ الْكِتَابَ﴾ يعني: القرآن ﴿لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ أي: لجميع الخلق من الإنس والجن لتنذرهم به، ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ﴾ أي: فإنما يعود نفعُ ذلك إلى نفسه، ﴿وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيهَا﴾ أي: إنما يرجع وبال ذلك على نفسه، ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيهِمْ﴾، أي [١]: بموكل [٢] أن يهتدوا ﴿إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ وَكِيلٌ﴾ ﴿فَإِنَّمَا عَلَيكَ الْبَلَاغُ وَعَلَينَا الْحِسَابُ﴾.
ثم قال تعالى مخبرًا عن نفسه الكريمة بأنه المتصرف في الوجود بما يشاء، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى، بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان. والوفاة الصغرى عند المنام، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾. فذكر الوفاتين: الصغرى ثم الكبرى. وفي هذه الآية ذكر الكبرى ثم الصغرى؛ ولهذا قال: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾، فيه دلالة على [٣] أنها تجتمع في الملأ الأعلى، كما ورد بذلك الحديث المرفوع الذي رواه ابن منده وغيره.
وفي صحيحي البخاري ومسلم (٢٢) من حديث عُبيد [٤] الله ابن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينْفُضُه بدَاخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خَلَفَهُ عليه، ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين".
وقال بعض السلف: يقبض [٥] أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء الله تعالى أن تتعارف، ﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيهَا الْمَوْتَ﴾ التي: قد ماتت، ويرسل الأخرى إلى ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾.
(٢٢) - أخرجه البخاري في الدعوات، حديث (٦٣٢٠)، ومسلم في الذكر والدعاء، حديث (٢٧١٤). وجاء الحديث من طرق عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة ليس فيه: (عن أبيه).