للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أشعث بن جابر الحُدّاني، عن مكحول، عن عمرو بن عَبَسَة [١]؛ قال: جاء رجل إلى النَّبيِّ ، شيخ كبير يَدّعمُ على عصا له، فقال: يا رسول الله؛ إن لي غَدَرَات وفَجَرَات، فهل يغفر لي؟ فقال: "ألست تشهد أن لا إله إلَّا الله؟ ". قال: بلى، وأشهد أنك رسول الله. فقال: "قد غفر لك غَدَرَاتك وفجرانك". تفرد به أحمد.

وقال الإِمام أحمد (٣٢): حدَّثنا يزيد بن هارون، حدَّثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن شهر بن حَوشَب، عن أسماء بنت يزيد، قالت: سمعتُ رسول الله يقرأ: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صَالِحٍ﴾، وسمعته يقول: ﴿يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ -ولا يبالي- ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ ورواه أبو داود والترمذي من حديث ثابت به.

فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد أنَّه يغفر جميع ذلك مع التوبة، ولا يقنطَنّ عبد من رحمة الله، وإن عَظُمت ذنوبه وكثرت؛ فإن باب التوبة والرحمة واسع، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ [وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾] [٢] وقال تعالى في حق المنافقين: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إلا الَّذِينَ تَابُوا﴾، وقال: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، ثم قال: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾.

قال الحسن البصري: انظر إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة!

والآيات في هذا كثيرة جدًّا، وفي الصحيحين (٣٣) عن أبي سعيد، عن رسول الله ، حديث الذي قتل تسعًا [٣] وتسعين نفسًا، ثم ندم وسأل عابدًا من عُباد بني إسرائيل: هل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله وأكمل به مائة. ثم سأل عالمًا من علمائهم: [هل له من توبة] [٤]؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أمره بالذهاب إلى قرية يعبد


(٣٢) - المسند (٦/ ٤٥٤)، وأخرجه في (٦/ ٤٦٠) عن عفَّان عن حماد به. وأخرجه أبو داود في الحروف والقراءات، حديث (٣٩٨١، ٣٩٨٢)، والترمذي في القراءات، باب: ومن سورة هود حديث (٢٩٣١، ٢٩٣٢) من طريق ثابت البناني به. وفي بعض الطرق عن شهر عن أم سلمة، قال الترمذي: سمعت عبد بن حميد يقول: أسماء بنت يزيد هي أم سلمة الأنصارية).
(٣٣) - أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء، حديث (٣٤٧٠)، ومسلم في التوبة، حديث (٢٧٦٦) من =