للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأسفار والرحال إلى البلاد النائية، والأقطار الشاسعة. والبقر تؤكل، ويشرب لبنها، وتحرث عليها الأرض. والغنم تؤكل، ويشرب لبنها. والجميع تجز أصوافها وأشعارها وأوبارها، فيتخذ منه الأثاث والثياب والأمتعة، كما فصَّل وبيَّن في أماكن تقدم ذكرها في "سورة الأنعام" و "سورة النحل" وغير ذلك، ولهذا قال هاهنا: ﴿لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾.

وقوله: ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ أي: حججه وبراهينه في الآفاق وفي أنفسكم، ﴿فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ﴾، أي: لا تقدرون [١] على إنكار شيء من آياته، إلا أن تعاندوا وتكابروا.

﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨٣) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (٨٥)

يخبر تعالى عن الأمم المكذبة بالرسل في قديم الدهر، وماذا حلّ بهم من العذاب الشديد، مع شدة قواهم، وما أثروه في الأرض، وجمعوه من الأموال، فما أغنى عنهم ذلك شيئًا، ولا رَدّ عنهم ذَرّةً من بأس الله؛ وذلك لأنهم لما جاءتهم الرسل بالبينات، والحجج القاطعات، والبراهين الدامغات، لم يلتفتوا إليهم، ولا أقبلوا عليهم، واستغنوا بما عندهم من العلم في زعمهم عما جاءتهم به الرسل.

وقال مجاهد: قالوا: نحن أعلم منه، لن نبعث ولن نعذب.

وقال السدي: فرحوا بما عندهم من العلم بجهالتهم، فأتاهم من بأس الله ما لا قِبَل لهم به ﴿وَحَاقَ بِهِمْ﴾ أي: أحاط بهم ﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي: يكذبون ويستبعدون وقوعه.

﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ أي: عاينوا وقوع العذاب بهم، ﴿قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾ أي: وحدوا الله وكفروا بالطاغوت، ولكن حيث لا تُقَال العثرات، ولا تنفع المعذرة. وهذا كما قال فرعون حين أدركه الغرق: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ


[١]- في ز: "يقدروا".