للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ مُحِيطٌ (٥٤)

يقول تعالى: ﴿قُلْ﴾ يا محمَّد لهؤلاء المشركين المكذبين بالقرآن: ﴿أَرَأَيتُمْ إِنْ كَانَ﴾ هذا القرآن ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ﴾ أي: كيف تُرَون حالكم عند الذي أنزله على رسوله ولهذا قال: ﴿مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ أي: في كفر وعناد ومشاقة للحق، ومسلك بعيد من الهدى.

ثم قال: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ أي: سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقًّا منزلًا من عند الله ﷿ على رسوله بدلائل خارجية [١] ﴿فِي الْآفَاقِ﴾، من الفتوحات وظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان.

قال مجاهد، والحسن، والسدي: ودلائل في أنفسهم، قالوا: وقعة بدر، وفتح مكة، ونحو ذلك من الوقائع التي حَلّت بهم، نصر الله فيها محمدًا وصحبه، وخذل فيها الباطل وحِزْبَه.

ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما الإنسان مركب منه وفيه وعليه من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة، كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع . وكذلك ما هو مجبول عليه من الأخلاق المتباينة، من حَسَن وقبيح وبين ذلك، وما هو متصرف فيه تحت الأقدار التي لا يقدر بحوله، وقوته، وحيَلِه، وحذره أن يجوزها، ولا يتعداها.

كما أنشده ابن أبي الدنيا في كتابه "التفكر والاعتبار"، عن شيخه أبي جعفر القرشي: حيث قال -وأحسن المقالة-:

وَإذَا نَظَرْتَ تُريدُ مُعْتَبَرا … فَانظُرْ إلَيكَ فَفِيكَ مُعْتَبَرُ

أنتَ الذي يُمْسي وَيُصْبحُ في الـ … ـدانيَا وكُل أمُوره عِبَرُ

أنْتَ المصرّفُ [٢] كانَ في صِغَرٍ … ثُمَّ استَقَلَّ بِشَخْصِكَ الكِبَرُ

أنتَ الذي تَنْعاه خلْقَتُه … يَنْعاه منه الشَّعْرُ وَالبَشَرُ

أنتَ الذي تُعْطَى وَتُسْلَبُ لَا … يُنْجِيه مِنْ أنْ يُسْلَبَ الحَذَرُ

أنْتَ الذي لا شيءَ منْه لَهُ … وَأحَقُّ مِنه بمَاله القَدَرُ


[١]- في ز: "خارجة".
[٢]- في ز: "المتصرف".