للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملوك خزاعة، وهو أول من فعل هذه الأشياء، وهو الذي حَمَل قريشًا على عبادة الأصنام، لعنه الله وقبحه! ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَينَهُمْ﴾ أي: لعوجلوا بالعقوبة، لولا ما تقدم من الإِنظار إلى يوم المعاد، ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: شديد موجع في جهنم وبئس المصير.

ثم قال تعالى: ﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا﴾ أي: في عرصات القيامة، ﴿وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ أي: الذي [١] يخافون منه واقع بهم لا محالة، هذا حالهم يوم معادهم، وهم في هذا الخوف والوجل، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾، فأين هذا من هذا؟ أين من هو في العَرَصات في الذل والهوان والخوف المحقق عليه بظلمه، ممن هو في روضات الجنات، فيما شاء من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومناظر ومناكح وملاذ، فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؟

قال الحسن بن عرفة: حدثنا عُمَر بن عبد الرحمن الأبار، حدثنا محمد بن سعد الأنصاري، عن أبي طَيبة قال: إن الشَّرْبَ (*) من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول: ما أُمطِرُكُم؟ قال: فما يدعو داع من القوم بشيء إلا أمطرتهم، حتى إن القائل منهم ليقول: أمطرينا كواعب أترابًا.

رواه ابن جرير (١٥) عن الحسن بن عرفة، به.

ولهذا قال تعالى: ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ أي: الفوز العظيم، والنعمة التامة السابغة الشاملة العامة.

﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرًا إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٢٤)

يقول تعالى لما ذكر روضات الجنات [٢]، لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات: ﴿ذَلِكَ


(*) الشرب: الجماعة من القوم يجتمعون على الشراب.
(١٥) - عزاه أيضًا في الدر إلى ابن جرير. ولم أجده في هذا الموضع من الآية عند قوله: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ فلعله سقط من المطبوع والله أعلم، وهذا الإسناد رجاله لا بأس بهم، وقد ترجم الحافظ لكل واحدٍ منهم بقوله: "صدوق".