للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه ولا هذه، وفاز هذا الساعي بهذه النية بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة.

والدليل على هذا أن هذه الآية هاهنا مُقَيَّدة بالآية التي في "سبحان" وهي قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠) انْظُرْ كَيفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾.

وقال [١] الثوري: عن مُغيرَة، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله : "بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة، والنصرة والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب" (١٣).

وقوله: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ أي: هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإِنس، من تحريم ما حرموا عليهم، من البَحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وتحليل الميتة والدم والقمار، إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالات الباطلة. التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم، من التحليل والتحريم، والعبادات الباطلة، والأقوال الفاسدة.

وقد ثبت في الصحيح (١٤) أن رسول الله قال: "رأيت عَمرو بن لُحَيّ بن قَمَعَةَ يَجُرّ قصْبَه في النار أنه [٢] أول من سيب السوائب". وكان هذا الرجل أحد


(١٣) - أخرجه أحمد، وابنه عبد الله في زوائده (٥/ ١٣٤)، والحاكم (٤/ ٣١١، ٣١٨)، والبيهقي في الدلائل (٦/ ٣١٨)، والبغوي في شرح السنة (٤١٤٥) من طريق المعتمر بن سليمان، ويحيى بن يمان، وزيد بن الحباب وغيرهم عن الثوري عن المغيرة بن مسلم عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي … فذكره، ورواه قبيصة عن الثوري - فقال - عن أيوب عن أبي العالية عن أبَيٍّ - فجعل أيوب بدلًا من الربيع بن أنس. وقبيصة ضعفه ابن معين في حديثه عن الثوري، والذي يؤيد أن هذا الحديث حديث الربيع بن أنس أن غير الثوري رواه عنه عن أبي العالية. فقد أخرجه أحمد (٥/ ١٣٤)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (٥/ ١٣٤) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الواحد بن غياث - كلاهما - عن عبد العزيز بن مسلم أخي المغيرة بن مسلم عن الربيع به. والحاصل: أن هذا الحديث يروه المغيرة بن مسلم، وأخوه عبد العزيز بن مسلم عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب. والربيع بن أنس قال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام ورمي بالتشيع.
قلت: وقد تفرد بهذا الحديث. ومن حسَّن إسناده فقد أصاب. والله أعلم.
(١٤) - أخرجه البخاري في التفسير باب: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ … ﴾ الآية حديث رقم (٤٦٢٣، ٤٦٢٤)، ومسلم في صفة الجنة حديث رقم (٢٨٥٦) من حديث أبي هريرة.