للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد اعتراهم بما أسلفوا من عصيان الله، ﴿يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾، قال مجاهد: يعني ذليل. أي: ينظرون إليها مُسَارَقَةً خوفًا منها، والذي يحذرون منه واقع بهم لا محالة، وما هو أعظم مما في نفوسهم. أجارنا الله من ذلك.

﴿وَقَال الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: يقولون يوم القيامة: ﴿إِنَّ الْخَاسِرِينَ﴾ أي: الخَسَارَ الأكبرَ ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ أي: ذهب بهم إلى النار، فَعَدموا لذتهم في دار الأبد، وخسروا أنفسهم، وفرّق بينهم ولن أصحابهم وأحبابهم وأهاليهم وقراباتهم، فخسروهم، ﴿أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ﴾ أي: دائم سرمدي أبدي، لا خروج لهم منها ولا محيد لهم عنها.

وقوله: ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي: ينقذونهم مما هم فيه من العذاب والنكال، ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ﴾ أي: ليس له خلاص.

﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيكَ إلا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (٤٨)

لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الأهوال والأمور العظام الهائلة، حَذّر منه وأمر بالاستعداد له، فقال: ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ أي: إذا أمر بكونه فإنه كلمح البصر يكون، وليس له دافع ولا مانع.

وقوله: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإ [١] يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ﴾ أي: ليس لكم حصن تتحصنون فيه، ولا مكان يستركم وتتنكرون [٢] فيه [٣]، فتغيبوا عن بصره بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته، فلا ملجأ منه إلا إليه، ﴿يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَينَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلَّا لَا وَزَرَ (١١) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾.

وقوله: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا﴾، يعني المشركين ﴿فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيهِمْ حَفِيظًا﴾ أي: لست عليهم بمصيطر. وقال تعالى: ﴿لَيسَ عَلَيكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ قال تعالى: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيكَ الْبَلَاغُ وَعَلَينَا الْحِسَابُ﴾. وقال هاهنا: ﴿إِنْ عَلَيكَ إلا الْبَلَاغُ﴾ أي:


[١]- في ز: "نجاء".
[٢]- في ز: "تكرون".
[٣]- سقط من: خ.