وهذا المقام شبيه بقوله تعالى عن عيسى: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾؛ أي: دلالة لهم [١] على قدرته - تعالى وتقدس - حيث خلق الخلق على أربعة أقصام: فآدم ﵇ مخلوق من تراب، لا من ذكر ولا أنثى، وحواء ﵍ من ذكر بلا أنثى، وسائر الخلق سوى عيسى من ذكر وأنثى، وعيسى ﵇ من أنثى بلا ذكر. فتمت الدلالة بخلق عيسى ابن مريم، ﵉؛ ولهذا قال: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾، فهذا المقام في الآباء، والمقام الأول في الأبناء، وكل منهما أربعة أقسام، فسبحان العليم القدير!.
هذه مقامات الوحي كالنسبة إلى جناب الله ﷿ وهو أنه تعالى تارة يقذف في روع النبي ﷺ شيئًا لا يتمارى فيه أنه من الله ﷿ -كما جاء في صحيح ابن حبان، عن رسول الله ﷺ أنه قال:"إن روح القدس نفث في رُوعي: أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب"(٦٨).
وقوله: ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ كما كلم موسى ﵇ فإنه سأل الرؤية بعد التكليم فحجب عنها. وفي الصحيح أن رسول الله ﷺ قال لجابر بن عبد الله:"ما كلم الله أحدًا إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحًا .. " … الحديث. وكان قد قتل يوم أحد، ولكن هذا في عالم البرزخ، والآية إنما هي في الدار الدنيا.
وقوله: ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾، كما ينزل جبريل وغيره من الملائكة على الأنبياء ﵈، ﴿إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾، فهو على عليم خبير حكيم.
(٦٨) - تقدم تخريجه في سورة آل عمران عند الآية رقم (١٦٩، ١٧١).