للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفاوت الناس في ذلك.

وهذا المقام شبيه بقوله تعالى عن عيسى: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾؛ أي: دلالة لهم [١] على قدرته - تعالى وتقدس - حيث خلق الخلق على أربعة أقصام: فآدم مخلوق من تراب، لا من ذكر ولا أنثى، وحواء من ذكر بلا أنثى، وسائر الخلق سوى عيسى من ذكر وأنثى، وعيسى من أنثى بلا ذكر. فتمت الدلالة بخلق عيسى ابن مريم، ؛ ولهذا قال: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾، فهذا المقام في الآباء، والمقام الأول في الأبناء، وكل منهما أربعة أقسام، فسبحان العليم القدير!.

﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذَلِكَ أَوْحَينَا إِلَيكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)

هذه مقامات الوحي كالنسبة إلى جناب الله ﷿ وهو أنه تعالى تارة يقذف في روع النبي شيئًا لا يتمارى فيه أنه من الله ﷿ -كما جاء في صحيح ابن حبان، عن رسول الله أنه قال: "إن روح القدس نفث في رُوعي: أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" (٦٨).

وقوله: ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ كما كلم موسى فإنه سأل الرؤية بعد التكليم فحجب عنها. وفي الصحيح أن رسول الله قال لجابر بن عبد الله: "ما كلم الله أحدًا إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحًا .. " … الحديث. وكان قد قتل يوم أحد، ولكن هذا في عالم البرزخ، والآية إنما هي في الدار الدنيا.

وقوله: ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾، كما ينزل جبريل وغيره من الملائكة على الأنبياء ، ﴿إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾، فهو على عليم خبير حكيم.


(٦٨) - تقدم تخريجه في سورة آل عمران عند الآية رقم (١٦٩، ١٧١).