للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال عبد الرزاق (١٥): أخبرنا معمر، عن سعيد الجُرَيري قال: بَلَغَنا أن الكافر إذا بُعث من قبره يوم القيامة شفع [١] بيده شيطان فلم يفارقه، حتى يصيرهما [٢] الله تعالى إلى النار، فذلك حين يقول: ﴿يَاليتَ بَينِي وَبَينَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَينِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾.

والمراد بالمشرقين هُنا هو: ما بين المشرق والمغرب. وإنما استعمل هاهنا تغليبًا، كما قيل [٣]: القَمَران، والعُمَرَان، والأبوان. قاله ابن جرير (١٦) وغيره.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ أي: لا يغني عنكم اجتماعكم في النار واشتراككم في العذاب الأليم.

وقوله: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ أي: ليس ذلك إليك، إنما عليك البلاغ، وليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وهو الحكم العدل في ذلك.

ثم قال: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ﴾ أي: لا بد أن ننتقم [٤] منهم ونعاقبهم، ولو ذهبت أنت، ﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيهِمْ مُقْتَدِرُونَ﴾ أي: نحن قادرون على هذا وعلى هذا. ولم يقبض الله رسوله حتى أقَرَّ عينه من أعدائه، وحَكَّمه في نواصيهم، ومَلَّكه ما تضمنته صياصيهم، هذا معنى قول السدى، واختاره ابن جرير.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، عن معمر؛ قال: تلا قتادة: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ﴾ فقال: ذهب النبي وبقيت النقمة، ولم يُرِ الله نبيه في أمته شيئًا يكرهه حتى مضى، ولم يكن نبي قط إلا ورأى العقوبة في أمته، إلا نبيكم . قال: وذُكر لنا أن رسول الله أُرِيَ ما يصيب أمته من [٥] بعده، فما رُئِي ضاحكًا منبسطًا حتى قبضه الله ﷿ (١٧).


(١٥) - " التفسير" لعبد الرزاق (٣/ ١٩٦) وإسناده صحيح إلى الجريري: وقد رواه ابن جرير (٢٤/ ٧٤، ٧٥) من طريق ابن ثور عن معمر به.
(١٦) - تفسير ابن جرير (٢٤/ ٧٤).
(١٧) - تفسير ابن جرير (٢٤/ ٧٥) ورواه عبد الرزاق (٣/ ١٩٧) عن معمر به، وهذا مرسل وقد وصله، الحاكم (٢/ ٤٤٧) من طريق محمد بن عبيد، عن محمد بن ثور به موصولًا، من حديث أنس، لكن فيه عنعنة قتادة، وقد ذكر السيوطي في "الدر المنثور" (٥/ ٧٢٤) وزاد عزوه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.