ويعني بقوله ﴿مَهِينٌ﴾ كما قال سفيان: حقير. وقال قتادة، والسدي: يعني ضعيف.
وقال ابن جرير: يعني لا مُلْك له ولا سلطان ولا مال.
﴿وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾ يعني: لا يكاد يفصح عن كلامه، فهو عيي [١] حصر.
قال السدي: ﴿وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾ أي: لا يكاد يفهم. وقال قتادة، والسدي، وابن جرير: يعني [٢] عييّ اللسان. وقال سفيان: يعني في: لسانه شيء من الجَمْرَة حين وضعها في فيه وهو صغير.
وهذا الذي قاله فرعون - لعنه اللَّه - كذب واختلاق، وإنما حمله على هذا الكفر والعناد، وهو ينظر إلى موسى ﵇ بعين كافرة شقية، وقد كان موسى ﵇ من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب. وقوله: ﴿مَهِينٌ﴾ كذب، بل هو المهين الحقير خلْقَةً وخلفًا ودينًا. وموسى هو الشريف الرئيس [٣] الصادق البار الراشد. وقوله: ﴿وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾ افتراء أيضًا، فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة، فقد سأل اللَّه ﷿ أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله، وقد واستجاب اللَّه له في قوله: ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى﴾، وبتقدير أن يكون قد بقي شيء لم يسأل إزالته، كما قاله الحسن البصري، وإنما سأل زوال ما يحصل معه الإِبلاغ والأفهام، فالأشياء الخلْقية [٤] التي ليست من فعل العبد لا يعاب بها ولا يذم عليها، وفرعون وإن كان يفهم وله عقل فهو يدري هذا، وإنما أراد الترويج على رعيته، فإنهم كانوا جهلة أغبياء، وهكذا قوله: ﴿فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيهِ أَسْورَةٌ مِنْ ذَهَبٍ﴾ أي [٥]: وهي ما يجعل في الأيدي من الحلي. قاله ابن عباس وقتادة وغير واحد.
﴿أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾ أي: يكتنفونه خدمة له ويشهدون بتصديقه، [نظر إلى الشكل][٦] الظاهر، ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر إليه، لو كان يعلم، ولهذا قال تعالى: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾ أي: استخف عقولهم، فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾.
قال اللَّه تعالى: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿آسَفُونَا﴾: أسخطونا (٢٢).
(٢٢) - رواه ابن جرير (٢٥/ ٨٤) وفيه انقطاع بين علي بن أبي طلحة، وابن عباس.