للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهم؛ على سبيل الانتقاص منهم، لأن الحال حال ضرورة منهم إليه لا تناسب [١] ذلك، وإنما هو تعظيم في زعمهم ففي كل مرة يَعدِون موسى إن كَشف عنهم هذا أن يؤمنوا ويرسلوا معه بني إسرائيل. وفي كل مرة ينكثون ما عاهدوا عليه، وهذا كقوله: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (١٣٣) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ﴾.

﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَال يَاقَوْمِ أَلَيسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيهِ أَسْورَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (٥٦)

يقول تعالى مخبرًا عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده: أنه جمع قومه، فنادى فيهم مُتَبَجحًا مفتخرًا بملك مصر وتصرفه فيها: ﴿أَلَيسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾، قال قتادة: قد كانت لهم جنانٌ وأنهار ماء، ﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾؟ أي: أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك، يعني: وموسى وأتباعه فقراء ضعفاء. وهذا كقوله تعالى: ﴿فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣) فَقَال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَال الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾.

وقوله: ﴿أَمْ أَنَا خَيرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ﴾ قال السدي: يقول: بل أنا خير من هذا. الذي هو مهين. وهكذا قال بعض نحاة البصرة: إن "أم" هاهنا بمعنى "بل". ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن بعض القراء أنه قرأها: ﴿أَمْ أَنَا خَيرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ﴾. قال ابن جرير: ولو صحت هذه القراء لكان معناها صحيحًا واضحًا، ولكنها خلاف قراءة الأمصار، فإنهم قرأوا: ﴿أَمْ أَنَا خَيرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ﴾ على الاستفهام.

قلت: وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون - عليه اللعنة - أنه خير من موسى وقد كذب في قوله هذا كذبًا بينًا واضحًا، فعليه لعائن اللَّه المتتابعة [٢] إلى يوم


[١]- في ز، خ: "يناسب".
[٢]- في ز، خ: "التابعة".