للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقريش: "يا معشر قريش، إنه ليس أحد يعبد من دون اللَّه فيه خير". وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى ابن مريم وما تقول في محمد، فقالوا: يا محمد؛ ألست تزعم أن عيسى كان نبيًّا وعبدًا من عباد اللَّه صالحًا، فإن كنت صادقًا كان آلهتهم كما [١] تقولون؟ قال: فأنزل اللَّه ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾. [قلت: ما يَصدّون؟] [٢] قال: يضحكون، ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾، قال: هو خروج عيسى ابن مريم قبل القيامة (٢٧).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يعقوب الدمشقي، حدثنا آدم، حدثنا شيبان، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي أحمد مولى الأنصار [٣]، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه : "يا معشر قريش، إنه ليس أحد يعبد من دون اللَّه فيه خير". فقالوا له: ألست تزعم أن عيسى كان نبيًّا وعبدًا من عباد اللَّه صالحًا، فقد كان يعبد من دون اللَّه؟ فأنزل اللَّه ﷿: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ (٢٨).

وقال مجاهد في قوله: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾، قالت قريش: إنما يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى [٤]. ونحو هذا قال قتادة.

وقوله: ﴿وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيرٌ أَمْ هُوَ﴾، قال قتادة: يقولون [٥]: آلهتنا خير منه. وقال قتادة: قرأ ابن مسعود: (وقالوا أآلهتنا خير أم هذا) يعنون محمدًا .

وقوله: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلا جَدَلًا﴾ أي: مراء، وهم يعلمون أنه ليس بوارد على الآية، لأنها لما لا يعقل، وهي قوله: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾. ثم هي خطاب لقريش، وهم إنما كانوا يعبدون الأصنام والأنداد، ولم يكونوا يعبدون المسيح حتى يوردوه [٦]، فتعين أن مقالتهم إنما كانت جَدَلًا منهم ليسوا يعتقدون صحتها.

وقد قال الإِمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى-: حدثنا ابن نمير، حدثنا حجاج بن دينار، عن أبي غالب، عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه : "ما ضل قوم بعد هُدى كالوا عليه إلا أورثوا الجدل"، ثم تلا هذه الآية: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾.


(٢٧) - المسند (١/ ٣١٨).
(٢٨) - الطبراني (١٢/ ١٥٤).