للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمر عيسى وأنه يعبد من دون اللَّه. وعَجِب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ أي: يصدون عن أمرك بذلك من قوله [١]. ثم ذكر عيسى فقال: ﴿إِنْ هُوَ إلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ أي: ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأسقام، فكفى به دليلًا على علم الساعة. يقول: ﴿فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾.

وذكر ابن جرير (٢٥) من رواية العَوفي، عن ابن عباس قوله: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾، قال: يعني قريشًا، لما قيل لهم: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ إلى آخر الآيات، فقالت له قريش: فما ابن مريم؟ قال: "ذاك عبد اللَّه ورسوله". فقالوا: واللَّه ما يريد هذا إلا أن نتخذه ربًّا، كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم ربًّا. فقال اللَّه تعالى: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾.

وقال الإِمام أحمد (٢٦): حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا شيبان، عن عاصم بن أبي النَّجُود، عن أبي رَزين، عن أبي يحيى -مولى ابن عقيل الأنصاري- قال: قال ابن عباس: لقد علمت آية من القرآن ما سألني عنها رجل قط، فما أدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها، أم لم يفطنوا لها فيسألوا عنها. قال: ثم طَفق يحدثنا، فلما قام تَلاوَمْنا أن لا نكون سألناه عنها؟. فقلت: أنا لها إذا راح غدًا. فلما راح الغد قلت: يا ابن عباس؛ ذكرتَ أمس أن آية من القرآن لم يسألك عنها رجل قط، فلا تدري أعلمها الناس أم لم يفطنوا لها؟ فقلت: أخبرني عنها وعن اللاتي قرأت قبلها. قال: نعم، إن رسول اللَّه قال


(٢٥) - رواه ابن جرير (٢٥/ ٨٦) بإسناد مسلسل بالضعفاء، أولهم عطية العوفي.
(٢٦) - " المسند" (١/ ٣١٧، ٣١٨) وصحح إسناده الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر في "تعليقه على المسند" [١ ج رقم ٢٩٢١ / (٤/ ٣٢٨، ٣٢٩)، وإسناده حسن لكلام في عاصم بن أبي النجود، وباقي رجاله ثقات، وقد رواه ابن أبي حاتم -كما قال المصنف هذا- من طريق آدم ثنا شيبان به، ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (١٢/ ١٢٧٤٠) من طريق الوليد بن مسلم ثنا سفيان، وشيبان عن عاصم به.
ورواه الطبراني أيضًا (١٢/ ١٢٧٣٩) من طريق علي بن المديني، ثنا يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم بهدلة، عن أبي رزين، عن ابن عباس به، كذا ليس فيه "أبو يحيى الأنصاري" وأبو بكر بن عياش متكلم في حفظه، فرواية شيبان وسفيان أصح.
والحديث ذكره الهيثمي في "المجمع" (٧/ ١٠٧) وقال: "رواه أحمد والطبراني .... وفيه عاصم بن بهدلة وثقه أحمد وغيره وهو سيئ الحفظ، وبقية رجاله رجال الصحيح".
والخبر ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٥/ ٧٢٨) وزاد نسبته إلى ابن مردويه.