للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾، تقدم تفسير ابن إسحاق: أن المراد من ذلك ما بُعث [١] به عيسى من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وغير ذلك من الأسقام. وفي هذا نظر. وأبعد منه ما حكاه قتادة، عن الحسن البصري وسعيد بن جبير: أن [٢] الضمير في ﴿وَإِنَّهُ﴾، عائد على القرآن، بل الصحيح أنه عائد على عيسى، فإن [٣] السياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة، [كما قال : ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ قبل موت عيسى ثم ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ] [٤] يَكُونُ عَلَيهِمْ شَهِيدًا﴾ ويؤيد هذا المعنى القرءة الأخرى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ أي] [٥]: [أمارة ودليل على وقوع الساعة] [٦]، قال مجاهد: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ أي: آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة. وهكذا روي عن أبي هريرة، وابن عباس، وأبي العالية، وأبي مالك، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والضحاك، وغيرهم.

وقد تواترت الأحاديث عن رسول اللَّه أنه أخبر بنزول عيسى [بن مريم] [٧] قبل يوم القيامة إمامًا عادلًا وحكمًا مقسطًا.

وقوله: ﴿فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾ أي: لا تشكوا فيها، إنها واقعة وكائنة لا محالة، ﴿وَاتَّبِعُونِ﴾ أي: فيما أخبركم به ﴿هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيطَانُ [﴾، أي: عن اتباع الحق ﴿] [٨] إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَال قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ﴾ أي: بالنبوة، ﴿وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾.

قال ابن جرير: يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية (٣١). وهذا الذي قاله حسن جيد، ثم رد قول من زعم أن "بعض" هاهنا بمعني "كل"، واستشهد بقول لَبيد الشاعر [حيث قال] [٩]:

تَرَّاكَ أَمْكِنَة إِذَا لَمْ أَرْضَهَا … أَوْ يَعْتَلِق [١٠] بَعْضَ النفوسِ حمامها

وأولوه على أنه أراد جميع النفوس [١١]. قال ابن جرير: وإنما أراد نفسه فقط، وعبر بالبعض عنها. وهذا الذي قاله محتمل.


(٣١) - تفسير الطبري (٢٥/ ٥٥).