للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غريبًا وسيعود غريبًا، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض". [ثم قرأ رسول الله : ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾] [١]. ثم قال: "إنهما لا يبكيان على الكافر" (١٥).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عصام، حدثنا أبو أحمد -يعني الزبيري- حدثنا العلاء بن صالح، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله؛ قال: سأل رجل عليًّا : هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ فقال له: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، إنه ليس عبد إلا له مُصَلى في الأرض، ومصعد عمله من السماء، وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض، ولا عمل يصعد في السماء، ثم قرأ علي : ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾.

وقال ابن جرير: "حدثنا أبو كريب، حدثنا طلق بن غَنَّام [٢]، عن زائدة، عن منصور، عن منهال، عن سعيد بن جُبَير قال: أتى ابن عباس رجل فقال: يا أبا عباس، أرأيت قول الله: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾. فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه؛ وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه [] [٣] بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي [٤] كان يصلي فيها ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم تكن لهم فلا الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى الله منهم خير، فلم تبك عليهم السماء والأرض (١٦). وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا.

وقال سفيان الثوري: عن أبي يحيى القَتَّات، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: كان يُقال: تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحًا. [وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وغير واحد.

وقال مجاهد أيضًا: ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحًا] [٥]. قال: فقلت له: أتبكي الأرض؟ فقال: أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دومي كدوي النحل؟.


(١٥) - تفسير الطبري (٢٥/ ٧٥) وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي الدنيا في "ذكر الموت".
(١٦) - تفسير الطبري (٢٥/ ٧٤).