للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهم، وتسخيره إياهم في الأعمال المهينة الشاقة.

وقوله: ﴿مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ أي: مستكبرًا جبارًا عنيدًا. وكقوله: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ وقوله: ﴿فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ﴾، سَرِفًا في أمره، سخيف الرأي على نفسه.

وقوله: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالمِينَ﴾، قال مجاهد: ﴿اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالمِينَ﴾، على مَن هم بين ظَهْرَيه.

وقال قتادة: اختيروا على أهل زمانهم ذلك. وكان يقال: إن لكل زمان عالمًا وهذه كقوله تعالى: ﴿قَال يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيتُكَ عَلَى النَّاسِ﴾ أي: أهل زمانه، وكقوله لمريم: ﴿وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالمِينَ﴾، أي: في زمانها، فإن خديجة أفضل منها وكذا آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، أو [١] مساوية لها في الفضل، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".

وقوله: ﴿وَآتَينَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ﴾، أي: الحجج والبراهين وخوارق العادات ﴿مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ﴾، أي: اختبار ظاهر جليّ [٢] لمن اهتدى به.

﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إلا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧)

يقول تعالى منكرًا على المشركين في إنكارهم البعث والمعاد، وأنه ما ثَمَّ إلا هذه الحياة الدنيا، ولا حياة بعد الممات، ولا بعث ولا نشور. ويحتجون بآبائهم الماضين الذين ذهبوا فلم يرجعوا، فإن كان البعث حقًّا ﴿فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. وهذه حجة باطلة وشبهة فاسدة، فإن المعاد إنما هو يوم القيامة لا في هذه الدار، بعد انقضائها وذهابها وفراغها يعيد الله العالمين خلقًا جديدًا، ويجعل الظالمين لنار جهنم وقودًا، يوم تكونون [٣] شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا.

ثم قال تعالى متهددًا لهم، ومتوعدًا ومنذرًا لهم بأسه الذي لا يُرد، كما حل بأشباههم ونظرائهم من المشركين والمنكرين للبعث، وكقوم [٤] تبع -وهم سبأ- حيث أهلكهم الله


[١]- في ز، خ: "إما".
[٢]- سقط من: ز، خ.
[٣]- في ز، خ: "تكونوا".
[٤]- ما بين المعكوفتين في ز، خ: وكقوم.