للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخَرّب بلادهم، وشرَّدهم في البلاد، وفرقهم شَذَر مَذَر، كما تقدم ذلك في سورة سبأ، وهي مُصَدّرة بإنكار المشركين للمعاد. وكذلك هاهنا شَبَّههم بأولئك، وقد كانوا عربًا من قحطان [كما أن] [١] هؤلاء عرب من عدنان، وقد كانت حمير -وهم سبأ- كلما مَلكَ فيهم رجل سموه تُبَّعًا، كما يقال: كسرى لمن ملك الفرس، وقيصر لمن ملك الروم، وفرعون لمن ملك مصر كافرًا، والنجاشي لمن ملك الحبشة، وغير ذلك من أعلام الأجناس.

ولكن اتفق أن بعض تبابعتهم خرج من اليمن وسار في البلاد حتى وصل إلى سمرقند، واشتد ملكه وعظم سلطانه وجيشه، واتسعت مملكته وبلاده، وكثرت رعاياه وهو الذي مَصَّر الحيرة فاتفق أنه مَرّ بالمدينة النبوية وذلك في أيام الجاهلية، فأراد قتال أهلها فمانعوه وقاتلوه بالنهار، وجعلوا يَقْرُونه بالليل، فاستحيا منهم وكَفّ عنهم، واستصحَبَ معه حَبْرين من أحبار يهود كانا قد نصحاه وأخبراه أنه لا سبيل له على هذه البلدة، فإنها مُهَاجَرُ نَبيّ يكون في آخر الزمان، فرجع عنها وأخذهما معه إلى بلاد اليمن، فلما اجتاز بمكة أراد هدم الكعبة فنهياه أيضًا، وأخبراه بعظمة هذا البيت، وأنه من بناية إبراهيم الخليل وأنه سيكون له شأن عظيم على يدي ذلك النبي المبعوث في آخر الزمان، فعظمها وطاف بها، وكساها المُلاء والوصائل والحَبِير. ثم كرّ راجعًا إلى اليمن ودعا أهلها إلى التهود معه، وكان إذ ذاك دين موسى فيه من يكون على الهداية قبل بعثة المسيح فتهود معه عامة أهل اليمن. وقد ذكر القصة بطولها الإِمام محمد بن إسحاق في كتابه "السيرة" (١٨).

وقد ترجمه الحافظ [ابن عساكر] في تاريخه ترجمة حافلة (١٩)، أورد فيها أشياء كثيرة مما ذكرنا وما لم نذكر. وذكر أنه ملك دمشق، وأنه كان إذا استعرض الخيل صُفَّت له [الخيل] [٢] من دمشق إلى اليمن. ثم ساق من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة عن النبي قال: "ما أدري الحدُود طهارة لأهلها أم لا؟ ولا أدري تُبَّع لَعينًا كان أم لا؟ ولا أدري ذو القرنين نبيًّا كان أم ملكًا؟ " وقال غيره: "أعزيزٌ كان نبيًّا أم لا؟ ". و [٣] كذا رواه ابن أبي حاتم، عن محمد بن حماد الطّهراني، عن عبد الرزاق (٢٠).


(١٨) - السيرة النبوية (١/ ١٩).
(١٩) - تاريخ دمشق مخطوط (٣/ ٥٠٠).
(٢٠) - ورواه الحاكم في المستدرك (١/ ٣٦) من طريق عبد الرزاق به. ورواه أدو داود في سننه (٤٦٧٤) من طريق عبد الرزاق به إلا أنه قال: "عزير" بدل "ذو القرنين".