للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢٦)

يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ أي: ما ثَمّ إلا هذه الدار، يموت قوم ويعيش آخرون، وما ثَمَّ معاد ولا قيامة. وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون للمعاد، ويقوله الفلاسفة الإلهيون منهم، وهم ينكرون البدَاءة والرجعة، ويقوله الفلاسفة الدهرية الدّورية المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه. وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى، فكابروا المعقول وكذبوا المنقول، ولهذا قالوا: ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ قال الله تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾، أي: يتوهمون ويتخيلون.

فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح، وأبو داود، والنسائي، من رواية سفيان بن عُيَينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "يقول الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب ليله ونهاره" (٥). وفي رواية: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" (٦).

وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جدًّا فقال: حدثنا أبو كريب، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي قال: "كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، وهو الذي يهلكنا، يميتنا ويحيينا، فقال الله في كتابه: ﴿وَقَالُوا [١] مَا هِيَ إلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلا الدَّهْرُ﴾. قال [٢]: "ويسبون الدهر، فقال الله ﷿: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار" (٧).

وكذا رواه ابن أبي حاتم، عن أحمد بن منصور، عن سُريج بن النعمان، عن ابن عيينة، مثله. ثم روى عن يونس، عن ابن وهب [] [٣] عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: سمعت رسول الله يقول: "قال الله تعالى: يسبّ ابن آدم الدهر


(٥) - البخاري (٤٨٢٦)، وصحيح مسلم (٢٢٤٦) وسنن أبي داود (٥٢٧٤) والنسائي في الكبرى (١١٦٨٧).
(٦) - صحيح مسلم (٢٢٤٦).
(٧) - تفسير الطبري (٢٥/ ٩٢).