للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنا الدهر، بيدي الليل والنهار".

وأخرجه صاحبا الصحيح والنسائي من حديث يونس بن يزيد [١] به (٨).

وقال محمد بن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة ، أن رسول الله قال: " [يقول الله] [٢]: استقرضت عبدي فلم يعطني، وسبني عبدي يقول: وادهراه وأنا الدهر" (٩).

قال الشافعي وأبو عبيد [٣] وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله : "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر": كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة، قالوا: يا خيبة الدهر. فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله، فكأنهم إنما سبوا الله ﷿ لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلهذا نُهِيَ عن سب الدهر بهذا الاعتبار؛ لأن الله هو الدهر الذي يعنونه ويسندون إليه تلك الأفعال.

هذا أحسن ما قيل في تفسيره، وهو المراد، والله أعلم. وقد غَلِطَ ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدّهم الدهر من الأسماء الحسنى، أخذًا من هذا الحديث!

وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ أي: إذا استُدِلّ عليهم وبُيّن لهم الحق، وأن الله قادر على إعادة الأبدان بعد فنائها وتفرقها، ﴿مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي: أحيوهم إن كان ما تقولونه حقًّا. قال اللَّه تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ﴾ أي: كما تشاهدون ذلك، يخرجكم [٤] من العدم إلى الوجود، ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ أي: الذي قدر على البداءة قادر على الإعادة بطريق الأولَى والأخرَى. ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾، ﴿ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ أي: إنما يجمعكم ليوم القيامة لا يعيدكم في الدنيا حتى تقولوا: ﴿ائتوا بآبائنا [إن كنتم صادقين] [٥]﴾، ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ﴾ ﴿لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ﴾. ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾. وقال هاهنا: ﴿ثم [٦] يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ أي: لا شك فيه، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي: فلهذا ينكرون المعاد، ويستبعدون قيام الأجساد. قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ


(٨) - صحيح البخاري (٦١٨١)، وصحيح مسلم (٢٢٤٦) النسائي في الكبرى (١١٦٨٦).
(٩) - تفسير الطبري (٢٥/ ٩٢).