للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يبعث الله منهم رسولًا لقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إلا رِجَالًا نُوحِي إِلَيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾. وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾. وقال عن إبراهيم الخليل: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ فكل نبي بعثه الله بعد إبراهيم فمن ذريته وسلالته، فأما قوله تعالى في الأنعام: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾، فالمراد من مجموع الجنسين، فيصدق على أحدهما وهو الإِنس، كقوله: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾، أي: أحدهما. ثم إنه تعالى فسر [١] إنذار الجن لقومهم فقال مخبرًا عنهم: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾، ولم يذكروا عيسى لأن عيسى أنزل عليه الإِنجيل فيه مواعظ وترقيقات وقليل من التحليل والتحريم، وهو في الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة، فالعمدة هو التوراة، فلهذا قالوا: ﴿أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾. وهكذا قال ورقة بن نوفل، حين أخبره النبي بقصة نزول جبريل عليه أول مرة، فقال: بَخٍ بَخٍ هذا الناموس الذي كان يأتي موسى، يا ليتني أكون فيها جذعًا.

﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ﴾ أي: من الكتب المنزلة قبله على الأنبياء. وقولهم: ﴿يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾ أي: في الاعتقاد والإِخبار، ﴿وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، في الأعمال، فإن القرآن يشتمل [٢] على شيئين: خبر، و [٣] طلب، فخبره صدق، وطلبه عدل، كما قال: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ وقال: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾. فالهدى هو: العلم النافع، ودين الحق: هو العمل الصالح. وهكذا قالت الجن: ﴿يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾ في الاعتقادات، ﴿وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أي: في العمليات.

﴿يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ﴾، فيه دلالة على أنه تعالى أرسل محمدًا صلوات الله وسلامه عليه إلى الثقلين الإنس والجن حيث دعاهم إلى الله، وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب القومين [٤]، وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم، وهي سورة الرحمن، ولهذا قال: ﴿أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ﴾.

وقوله: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ قيل: إن "من" هاهنا زائدة، وفيه نظر، لأن


= ومن هذا الوجه رواه الحاكم في المستدرك (٢/ ٤٧٣) وصححه على شرط الشيخين وافقه الذهبي! وهو وهم منهما رحمهما الله.
لكن الحديث صحيحه الألباني في السلسة الصحيحة (٢١٥٠) بشواهد وسيورد ابن كثير الحديث مرة أخرى في تفسير الرحمن.