زيادتها في الإِثبات [١] قليل. وقيل: إنها على بابها للتبعيض، ﴿وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي: ويقيكم من عذابه الأليم.
وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الجن المؤمنين لا يدخلون الجنة، وإنما جزاء صالحيهم أن يجاروا من عذاب النار يوم القيامة، ولهذا قالوا هذا في هذا المقام، وهو مقام تبجح [٢] ومبالغة، فلو كان لهم جزاء على الإِيمان أعلى من هذا لأوشك أن يذكروه.
قال ابن أبي حاتم (٦١): حدثنا أبي قال: حُدِّثت عن جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لا يدخل مؤمنو الجن الجنة، لأنهم من ذرية إبليس، ولا تدخل ذرية إبليس الجنة.
والحق أن مُؤمنَهم كمؤمن [٣] الإنس يدخلون الجنة، كما هو مذهب جماعة من السلف، وقد استدل بعضهم لهذا بقوله: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾ وفي هذا الاستدلال نظر. وأحسن منه قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾. فقد امتن تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة، وقد قابلت الجن هذه الآية بالشكر القولي [٤] أبلغ من الإِنس، فقالوا:"ولا بِشَيءٍ [٥] من آلائك ربنا نكذب، فلك الحمد".
فلم يكن تعالى ليمتنّ عليهم بجزاء لا يحصل لهم، وأيضًا فإنه إذا كان يجازى كافرهم بالنار - وهو مقام عدل - فَلأنْ يجازى [٦] مؤمنهم بالجنة - وهو مقام فَضل- بطريق الأولى والأحرى.
ومما يدل أيضًا على ذلك عمومُ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾، وما أشبه ذلك من الآيات. وقد أفردت هذه المسألة في جزء على حدة، ولله الحمد والمنة.
وهذه الجنة لا يزال فيها فضل حتى ينشيء الله لها خلقًا، أفلا يسكنها من آمن به وعمل له صالحًا؟ وما ذكروه هاهنا من الجزاء على الإِيمان من تكفير الذنوب والإِجارة من العذاب الأليم، هو يستلزم دخول الجنة، لأنه ليس في الآخرة إلا الجنة أو النار، فمن أجير من النار
(٦١) - تفسير ابن أبي حاتم (١٠/ ٣٢٩٧) (١٨٥١٨) وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف كما تقدم مرارًا.