للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دخل الجنة لا محالة.

ولم يرد معنا نص صريح ولا ظاهر عن الشارع أن مؤمني [١] الجن لا يدخلون الجنة وإن أجيروا من النار، ولو صح لقلنا به، والله أعلم.

وهذا نوح يقول لقومه: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ [وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى] [٢]﴾. ولا خلاف أن مؤمني قومه في الجنة، فكذلك هؤلاء.

وقد حُكي فيهم أقوال غريبة فعن عُمَر بن عبد العزيز: أنهم لا يدخلون بُحْبُوحَةَ [٣] (*) الجنة وإنما يكونون في رَبَضِها (**) وحولها وفي أرجلائها [٤]. ومن الناس من زعم أنهم في الجنة يراهم بنو آدم ولا يرون هم بني آدم عكس ما كانوا عليه في الدار الدنيا. ومن الناس من قال: يأكلون في الجنة ولا يشربون، وإنما يلهمون التسبيح والتحميد والتقديس، عِوَضًا عن الطعام والشراب كالملائكة، لأنهم من جنسهم. وكل هذه الأقوال فيها نظر، ولا دليل عليها.

ثم قال مخبرًا عنهم: (﴿وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: بل قدرة الله شاملة له ومحيطة به، ﴿وَلَيسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ﴾ أي: لا يجيرهم منه أحد ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ وهذا مقامُ تهديد وترهيب، فَدَعَوا [٥] قومهم بالترغيب والترهيب، ولهذا نجع في كثير منهم، وجاءوا إلى رسول الله وفودًا وفودًا، كما تقدم بيانه [ولله الحمد والمنة] [٦].

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَال فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ


(*) أي وسطها. وبحوبحة الدار: وسطها. يقال: تبحبح إذا تمكَّن وتوَّسَط المنزل والمقام.
(**) رَبَض الجنة: ما حولها خارجًا عنها، تشبيهًا بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع.