يقول تعالى مرشدًا للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ أي: إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصدًا بالسيوف، ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ﴾ أي: أهلكلتموهم قتلًا ﴿فَشُدُّوا﴾ الأسارى الذين تأسرونهم، ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم؛ إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم [١] أساراهم مجانًا، وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشارطونهم عليه. والظاهر أن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر، فإن الله سبحانه عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسارى ورمئذ ليأخذوا منهم الفداء، والتقليل من القتل يومئذ فقال: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ ثم قد ادعى بعض العلماء أن هذه الآية المخيرة بين مفاداة الأسير والمن عليه منسوخة بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ الآية رواه العوفي عن ابن عباس.
وقاله قتادة، والضحاك، والسدي، وابن جريج.
وقال الآخرون - وهم الأكثرون -: ليست منسوخة.
ثم قال بعضهم: إنما الإِمام مُخَيَّرٌ بين المن على الأسير ومفاداته فقط، ولا يجوز له قتله.
وقال آخرون منهم: بل له أن يقتله إن شاء، لحديث قتل النبي ﷺ النضر بن الحارث وعقبة بن أبي مُعَيط من أسارى بدر (٢).
(٢) - نقل ذلك ابن كثير في البداية والنهاية (٣/ ٣٧٢) عن ابن إسحاق، وروى الطبراني في الأوسط (٣٨٠١) عن ابن عباس قال: جعل رسول الله ﷺ يوم بدر ثلاثة حبرًا، قتل النضر بن الحارث من بني =