فأعدى الأعداء من عَدَا على الله في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذُحُول [١] الجاهلية، فأنزل الله على نبيه ﷺ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ﴾.
يقول: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ أي: على بصيرة ويقين في أمر الله ودينه، بما أنزل الله في كتابه من الهدى والعلم، وبما جَبَله الله عليه من الفطرة المستقيمة، ﴿كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ أي: ليس هذا كهذا. كقوله: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، وكقوله: ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾.
ثم قال: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾. قال عكرمة: ﴿مثل الجنة﴾ أي: نعتها. ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾. قال ابن عباس، والحسن، وقتادة: يعني غير متغير. وقال قتادة، والضحاك، وعطاء الخراساني: غير منتن. والعرب تقول: أسِنَ الماء إذا تَغَيَّر ريحه.
وفي حديث مرفوع أورده ابن أبي حاتم: ﴿غير آسن﴾ يعني: الصافي [٢] الذي لا كدر فيه.
وقال ابن أبي حاتم (١٧): حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق قال: قال عبد الله: أنهار الجنة تُفجَّر من جبل من مسك.
﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾ أي: بل في غاية البياض والحلاوة والدسومة. وفي حديث مرفوع:"لم يخرج من ضُرُوع الماشية".
(١٧) - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٨/ ٦٧) والبيهقي في البعث والنشور (٢٩٣) من طريق الأعمش به. وأخرجه عمر في جامعه (١١/ ٤١٦ - المصنف) عن الأعمش عن ابن مرة عن مسروق قوله.