للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أي: يوم القيامة، ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ﴾ أي: في دنياهم، يتمتعون بها ويأكلون منها كأكل الأنعام، خَضْمًا وقضمًا، ليس لهم همة إلا في ذلك. ولهذا ثبت في الصحيح (١٥): " المؤمن يأكل في مِعى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء". ثم قال: ﴿وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ أي: يوم جزائهم.

وقود: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ يعني: مكة، ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ﴾ وهذا تهديد ووعيد أكيد لأهل مكة، في تكذيبهم لرسول الله ، وهو سيد المرسلين وخاتم الأنبياء، فإذا كان الله ﷿ قد أهلك الأمم الذين كذبوا الرسل قبله، بسببهم، وقد كانوا أشد قوة من هؤلاء، فماذا ظن هؤلاء أن يفعل الله بهم في الدنيا والأخرى؟ فإن رفع عن كثير منهم العقوبة في الدنيا لبركة وجود الرسول نبي الرحمة، فإن العذاب يوفر على الكافرين به في معادهم، ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾.

وقوله: ﴿مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ أي: الذين أخرجوك من بين أظهرهم.

قال [١] ابن أبي حاتم (١٦): ذكر [٢] أبي، عن محمد بن عبد الأعلى، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حَنَش، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي لما خرج من مكة إلى الغار - أراه [٣] قال [٤]: التفت [٥] إلى مكة - وقال: "أنت أَحبّ بلاد الله إلى الله، وأنت أحب بلاد الله إليّ، ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك".


(١٥) - رواه البخاري في "صحيحه" في كتاب الأطعمة، باب: المؤمن يأكل في معي واحد حديث (٥٣٩٣، ٥٥٣٩، ٥٣٩٥) ومسلم في "صحيحه" كتاب الأشربة من حديث عبد الله بن عمر.
وقد ورد ذلك أيضًا من حديث أبي هريرة وأبي موسى وغيرهما.
(١٦) - ورواه ابن جرير في تفسيره (٢٦/ ٤٨) قال حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا المعتمر بن سليمان به. ورواه أبو يعلى في مسنده الكبير كما في (المطالب العالية - النسخة المسندة) (٤١٠٣) قال: حدثنا حسن بن عمر ثنا معتمر فذكره نحوه. وهذا إسناد رجاله ثقات غير أن حنش لا أدري من هو، ولعله يكون حنش بن المعتمر وهو مختلف في توثيقه ولا أراه يحتج به إلَّا في المتابعات والشواهد.
والحديث ذكره السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٢٤) وزاد نسبته لعبد بن حميد.