للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكفر، ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ﴾ أي: زين لهم ذلك وَحسّنَه، ﴿وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ أي: غَرّهم وخدعهم، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ﴾ أي: مالئوهم وناصحوهم في الباطن علي الباطل، وهذا شأن المنافقين يظهرون خلاف ما يبطنون؛ ولهذا قال الله ﷿: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ أي: ما يسرون وما يخفون، الله مطلع عليه وعالم به، كقوله: ﴿وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ﴾.

ثم قال: ﴿فَكَيفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ أي: كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض [١] أرواحهم، وتَعَصَّت الأرواح في أجسادهم، واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضرب، كما قال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ … ﴾ الآية. وقال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيدِيهِمْ﴾ أي: بالضرب ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾. ولهذا قال هاهنا: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾.

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَينَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (٣١)

يقول تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ﴾ أي: اعتقَدَ المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين؟! بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر، وقد أنزل الله [٢] تعالى في ذلك سورة "براءة"، فبين فيها فضائحهم وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم؛ ولهذا إنما كانت تسمى الفاضحة. والأضغان: جمع ضغن، وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره.

وقوله: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَينَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ يقول تعالى: ولو نشاء -يا محمد- لأريناك أشخاصهم، فعرفتهم عيانًا، ولكن لم يفعل تعالى ذلك [٣] في جميع المنافقين سترًا منه علي خلقه، وحملًا للأمور على ظاهر السلامة، وردّ السرائر إلى عالمها، ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ أي: فيما يبدو من كلامهم الدال علي مقاصدهم، يفهم


==
[١]- في خ: "لتقيض".
[٢]- سقط من: ز، خ.
[٣]- سقط من: ز، خ.