فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة، وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله ﷺ وقد نوه الله بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة؛ ولهذا قال هاهنا: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾، ثم قال: ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ أي: فراخه، ﴿فَآزَرَهُ﴾ أي: شده ﴿فَاسْتَغْلَظَ﴾ أي: شب وطال ﴿فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ﴾ أي: فكذلك أصحاب محمد ﷺ آزروه وأيدوه ونصروه فهم معه كالشطء مع الزرع، ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾.
ومن هذه الآية انتزع الإِمام مالك ﵀ في رواية عنه - بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية. ووافقه طائفة من العلماء على ذلك. والأحاديث في فضائل الصحابة والنهي عن التعرض لهم [١] بمساءة كثيرة، ويكفيهم ثناء الله عليهم، ورضاه عنهم.
ثم قال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ﴾، "من" هذه لبيان الجنس ﴿مَغْفِرَةً﴾ أي: لذنوبهم، ﴿وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ أي: ثوابًا جزيلًا ورزقًا كريمًا، ووعد الله حق وصدق، لا يُخْلَف ولا يبدل، وكل من اقتفى أثر الصحابة فهو في حكمهم [٢]، ولهم [٣] الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة، ﵃ وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم، وقد فعل.
قال مسلم في صحيحه (٨٣): حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا، ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نَصِيفه".
آخر تفسير سورة الفتح، ولله الحمد والمنة.
. * * *
(٨٣) - صحيح مسلم في فضائل الصحابة، حديث (٢٥٤٠)، وأخرجه أيضًا النسائي في فضائل الصحابة (٢٠٤) وابن ماجه في المقدمة، فضل أهل بدر، حديث (١٦١) من طريق أبي صالح به.