للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والإعادة أسهل منه، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيهِ﴾ وقال الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَال مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾. وقد تقدم في الصحيح: "يقول الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يقول: لن يعيدني كما بدأني. وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته" (٩).

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)

يخبر تعالى عن قدرته على الإنسان بأنه خالقه، وعلْمهُ محيط بجميع أموره، حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر. وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله أنه قال: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل" (١٠).

وقوله: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾، يعني ملائكته تعالى أقربُ إلي الإنسان من حبل وريده إليه. ومن تأوله علي العلم فإنما فَرّ لئلا يلزم حلول [١] أو اتحاد، وهما مَنفيان بالإجماع، تعالى الله وتقدس، ولكن اللفظ لا يقتضيه فإنه لم يقل: وأنا أقرب إليه من حبلَ الوريد، وإنما قال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾، كما قال في المحتَضِر: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ يعني: ملائكته؛ وكما قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ فالملائكة نزلت بالذكر -وهو القرآن- بإذن الله ﷿. وكذلك الملائكة أقرب إلي الإِنسان من حبل وريده إليه بإقدار [٢] الله لهم علي ذلك،


(٩) - أخرجه البخاري في كتاب: التفسير، باب: في تفسير سورة: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، حديث (٤٩٧٤) (٨/ ٧٣٩)، وأخرجه بنحوه برقم (٤٩٧٥).
(١٠) - أخرجه البخاري في كتاب: العتق، باب: الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، حديث (٢٥٢٨) (٥/ ١٦٠) من حديث أبي هريرة.