للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فللملك لَمّة في الإِنسان كما أن للشيطان لمة، وكذلك: "الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم" (١١). كما أخبر بذلك الصادق المصدوق؛ ولهذا قال هاهنا: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ﴾، يعني الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان. ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ أي مترصد ﴿مَا يَلْفِظُ﴾ أي [١]: ابن آدم ﴿مِنْ قَوْلٍ﴾ أي: ما يتكلم بكلمة ﴿إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ أي: إلا ولها من يراقبها مُعتَدّ لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾.

وقد اختلف العلماء: هل يكتب الملك كل شيء من الكلام، وهو قول الحسن وقتادة، أو إنما يكتب ما فيه ثواب وعقاب كما هو قول ابن عباس؟ على قولين، وظاهر الآية الأول؛ لعموم قوله: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو [٢] معاوية، حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي، عن أبيه، عن جَدّه علقمة، عن بلال بن الحارث المزني؛ قال: قال رسول الله : "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عليه بها سَخَطه إلي يوم يلقاه" (١٢). قال: فكان علقمة يقول: كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث.

ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة، من حديث محمد بن عمرو، به (١٣). وقال


(١١) - أخرجه البخاري في كتاب: الاعتكاف، باب: هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟ حديث (٢٠٣٥) (٤/ ٢٧٨).
وأطرافه في: [٢٠٣٨، ٢٠٣٩، ٣١٠١، ٣٢٨، ٦٢١٩، ٧١٧١].
ومسلم في كتاب: السلام، باب: بيان أنه يستحب لمن رُئي خاليًا بامرأة، وكانت زوجته، أو محرمًا له، أن يقول: هذه فلانة؛ ليدفع ظن السوء به، حديث (٢٤، ٢٥/ ٢١٧٥) (٤/ ٢٢٤ - ٢٢٥).
(١٢) - أخرجه أحمد (٣/ ٤٦٩) برقم (١٥٨٩٥) وفيه عمرو بن علقمة الليثي، قال فيه الحافظ: مقبول. لكن للحديث شاهد صحيح من حديث أبي هريرة.
أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: حفظ اللسان، حديث (٦٤٧٧) (١١/ ٣٠٨) وطرفه في [٦٤٧٨]. ومسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب: التكلم بالكلمة يهوي بها في النار، حديث (٤٩، ٥٠/ ٢٩٨٨).
(١٣) - أخرجه الترمذي في كتاب "الزهد"، باب: في قلة الكلام، حديث (٢٣٢٠) (٧/ ٧٨). والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (٢/ ٥٥٥) (٢٠٢٨)، وابن ماجة في كتاب: الفتن، باب: كف اللسان في الفتنة، حديث (٣٩٦٩) (٢/ ١٣١٢ - ١٣١٣). وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (١٨٨٨ - ٢٤٣٥).